مفهوم دولة داخل دولة يتضمن الكثير من الأوجه المتداخلة التي لها أسبابًا قوية أدت إلى وجود بعض الدول داخل دول أخرى ، أو وجود مدن في دولة أخرى خارج حدود دولتها الرئيسة .

مفهوم دولة داخل دولة

ينقسم هذا المفهوم إلى عدة أنواع هي :

Inclave 

في عدد من المناطق حول العالم يُمكننا أن نجد بلدًا مُحاطًا من بلدٍ أخرى بشكل كامل فيما يُعرف باسم ” الأرض المحاصرة ” ، أو المُطوقة Inclave ، ويُمكن أن تتشكل الأرض المطوقة داخل المياه الإقليمية أيضًا .

Exclave 

أما عن الجزء المنعزل من بلد ما ، أو إقليم ما ؛ فإنه يتواجد خارج حدودها ضمن حدود دولة أخرى فيما يُعرف باسم Exclave .

وفي الحالتين تكون الدول التي تشتمل على هذه المناطق المحاطة لا تمتلك أي سيادة سياسية على المنطقة التي تحتويها .

semi-enclaves

المناطق ، أو الولايات شبه المعزولة تكون محاطة من جميع الاتجاهات باستثناء جهة واحدة بسبب امتلاكها للحدود البحرية الغير مُطَوقة ، ويُمكن أن تكون هذه المناطق الشبه منعزلة دولًا مستقلةً ، ومن أمثلتها بروناي ، وموناكو ، وحامبيا . [1] ، [2] .

ولهذه الحالات القليل من الأمثلة التي نذكر منها ما يلي :

أمثلة على دولة داخل دولة

ليسوتو

ليسوتو هي دولة أفريقية تقع داخل دولة جنوب أفريقيا ، وذلك في منطقة جبال ” دراكنزبرج “التي تشتهر بأنها منطقة شبه قاحلة ؛ الأمر الذي يُقلل من فرص وجود أراضي صالحة للزراعة ؛ مما يدفع الكثير إلى البحث عن العمل في الدولة المجاورة وهي جنوب أفريقيا ، هذا بالإضافة إلى أن إمكانية السفر محدودة للغاية ؛ حيث يتعذر الوصول إلى الكثير من المناطق في البلاد إلا باستخدام الحصان ، وإلى الآن تُعاني دولة ليسوتو من اضطراب الأوضاع السياسية ، وتزايد في معدلات الفقر .

سان مارينو

سان مارينو هي دولة ذات مساحة صغيرة تُحيط بها إيطاليا من جميع الاتجاهات ، وهي قريبة من قمة شبه الجزيرة الإيطالية التي تتخذ شكل الحذاء ، سان مارينو من أقدم جمهوريات العالم ، والتزمت هذه الجمهورية رغم وقوعها في إيطاليا الحياد خلال الحرب العالمية الثانية .

كامبيون ديتاليا

كامبيون ديتاليا هي منطقة إيطالية تقع في الأراضي السويسرية ، وهي أرض منعزلة عن الدولة الرئيسة ” إيطاليا ” . [3]

أسباب وجود دولة داخل دولة

لعل السبب الأبرز لهذه الظاهرة باختلاف أنواعها هو الاستعمار الذي اجتاح العالم في القرون الماضية ، والتي شكلت خريطة العالم ، والحدود السياسية والإقليمية الخاصة بكل الدول ، والمستعمرات .

المناطق الرئيسة التي شكل الاستعمار حدودها على وجه الخصوص هي أفريقيا ، وشبه القارة الهندية ، وذلك قبل عصر التوسع حسب الحدود السائدة آنذاك ، وقد أخذت هذه الخرائط في التطور في أوروبا ، وفي المقابل كان شغف الاستكشاف هو ما دفع إلى صنع الخرائط في كل من أفريقيا ، وأوروبا .

وهذا بالرغم من عدم اهتمام الاستعمار ، والمستكشفين التابعين له برسم خرائط خاصة بالدول التي استعمروها في أغلب الدول الأسيوية ، وفي أمريكا ، واستراليا ؛ وذلك بسبب أن الاستعمار في هذه المناطق لم يكن طويل الأمد .

في كل من أمريكا الشمالية ،  وأمريكا الجنوبية لم يتمكن الأوروبيون من استكشاف الأرض بالكامل بشكل كافي .

أما في شمال القارة الأسيوية ، وشرقها فلم يكن هناك مستكشفين استعماريين متميزين في ذلك الوقت .

بينا في أستراليا فكانت تتميز أرضها بكثرة مرتفعاتها ؛ الأمر الذي جعلها من الأراضي التي لم تتمكن من إثارة شغف المستكشفين لرسم خريطة خاصة بها .

هذا بالإضافة إلى أن توقيت رسم الخرائط الخاصة بكل من أفريقيا ، والهند توافقت زمنيًا مع زيادة النفوذ الأوروبي ، وانتشاره في مختلف أنحاء الأرض . [4]

القارة الأفريقية

استهدف الاستعمار الأوروبي العديد من الدول ، والمناطق الموجودة في القارة الأفريقية ، وأقامت بها الحركة التجارية الخاصة بها ، والأعمال التبشيرية ، وجعلتها مستوطنات تابعة لها .

بالرغم من الاستعمار ؛ فإن أغلب الدول الأوروبية لم تتمكن من فرض كامل سيطرتها الإدارية على المستعمرات الأفريقية ، وذلك إلى نهايات القرن التاسع عشر الميلادي .

كما أن أغلب الخرائط القليلة التي صُنعت آنذاك من قِبَل المسافرين الأوروبيين اهتمت بالتفاصيل الخاصة بالمناطق الداخلية في المناطق التي تواجدوا فيها ، وأيضًا المناطق الساحلية ، ولعل أشهرها هي الخريطة التي خُططت بشكل واضح على يد البحارة البرتغال ، وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي .

اختلفت التفاصيل الموجودة في الخرائط التي تمت صناعتها باختلاف نوعية المسافرين الأوروبيين إلى أفريقيا ، ومقصدهم من السفر إليها ؛ حيث اختلفت خرائط الصيادين عن خرائط المبشرين ، عن خرائط تاجري الرقيق .

اهتمت هذه الخرائط بالموقع العام الذي يتواجدون فيه ، فيُمكن رؤية مناطق الصيد ، والمستوطنات الرئيسة ، وأيضًا بعض المعلومات التي تتعلق بسكان هذه المناطق .

ومن الأسباب الأخرى أيضًا أنه في الفترة التي سبقت القرن التاسع عشر لم يمتلك الاستعمار الأوروبي في أفريقيا المعدات الثقيلة .

ومع مرور الوقت ، وسيادة تواجد القوى الاستعمارية في القارة الأفريقية اهتمت الخرائط الأوروبية آنذاك بالمناطق الجغرافية ، والمناطق السياسية بشكل مفصل ؛ الأمر الذي جعل لها أهمية كُبرى لدى حكومات الاستعمار الأوروبي .

في وقت لاحق تم رسم خرائط للسكك الحديدية ، والبرقيات ، ومن آثارها أنها قسمت أفريقيا إلى مجموعات ، وثقافات مختلفة في جوانب كثيرة ، ونشوب الصراعات التي أدت إلى إجبار العديد من الجماعات على الانخراط فيما بينها بسبب الحدود الموجودة في الخرائط .

الهند

نتيجة لاتباع طرق التجارة البرية القديمة في العصور الوسطى للوصول إلى الهند عن طريق المرور بشبه الجزيرة العربية ، أو عن طريق شمال أفريقيا عبر الساحل الرابط بين شرق أفريقيا ، وغرب الهند .

في القرن الخامس عشر كان الاستعمار التركي يُسيطر على الطرق البرية الرئيسة المؤدية إلى الشرق ؛ فكانت هذه الطرق غير مربحة من الناحية التجارية .

اعتقد كريستوفر كولومبوس في ذلك الوقت أنه سيتمكن من الإبحار حول العالم ليصل إلى ساحل الهند الشرقي ، بينما وصل فاسكو دا جاما إلى الهند بالإبحار حول الجهة الجنوبية لأفريقيا ، وبهذا شكلت أفريقيا عقبة كبيرة في رسم خرائط تضم جميع سواحلها .

في القرن السابع عشر كان الخرائط الهندية تحتوي على الأنهار الداخلية للبلاد ، واهتم مرشدو السفر بالجوانب الجغرافية، والاجتماعية ، والثقافية أيضًا .

بعد سنوات عديدة من الحروب بين الهند ، وانجلترا تم تقسيم الهند إلى عدد من الممالك في عام 1799 ، وقد سيطرت انجلترا على جزء كبير من الأراضي الهندية آنذاك ، وبرور الوقت تزايدت الأجزاء التي استعمرتها انجلترا في الهند تدريجيًا ؛ الأمر الذي دعا إلى رسم الخرائط الدقيقة لمعرفة طرق المواصلات ، والاتصال ، وفي ثلاثينات القرن التاسع عشر بدأ رسم الخرائط الدقيقة للمعالم الرئيسة للهند . [4]

الاستقلال

بعد استقلال العديد من المناطق التي تم استعمارها في العالم من قِبَل هذه القوى الاستعمارية ، وخاصة في الهند ، وأفريقيا بقيت بعض المناطق القليلة التي تتمكن من نيل استقلالها ؛ مما أدى إلى انتمائها إلى دول أخرى خارج الحدود التي تقع بها .

المراجع