قال رسول الله صل الله عليه وسلم « إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق» فكانت الأخلاق هي أحرى أن يتحلى بها المسلم عن غيره فهي دعوة نبيه وهدف رسالته بها يعم الخير الدنيا وتنعم البرية في جو من السلام وبدونها ينتشر الفساد وتعم الفوضة وتوجب غضب الله على عباده لذلك كان للأخلاق أهمية عظمى لا تقل أهمية عن العقيدة والعبادة في الدين الإسلامي.

أهمية الأخلاق

1- قدمتها على العقيدة والعبادة

الدعوة إلى مكارم الأخلاق هي الغاية من البعثة المحمدية: قال رسول الله صل الله عليه وسلم « أحبُّ الناسِ إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا، ومن كف غضبه، ستر الله عورته، ومَن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيَه أمضاه، ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله قدمه يوم تزِلُّ الأقدام، وإن سوء الخلق لَيفسدُ العمل كما يفسد الخل العسل »

فشأن الأخلاق لا يقل أهمية عن العقيدة والعبادة، فالعبد المسلم أينما تحلى بالأخلاق العالية صحت عقيدته ووقرت في نفسه، فالأخلاق هي الدعوة الحسنة التي من خلالها انتشر الإسلام في شتى بقاع الأرض، وهو ما يخبرنا به التاريخ عن وصول الإسلام للشرق الأقصى عن طريق التجار المسلمين فكانوا ينبهرون بأمانة التاجر وصدقه وسماحته وعدله ولما كانوا يعرفون أن هذه هي الأخلاق التي حث عليها الإسلام كانوا لا يترددون عن الدخول في هذا الدين.

2- الأخلاق أثقل في الميزان

قال صل الله عليه وسلم: « ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق»، وكيف لا فكيف للمسلم أن يمارس شعائر دينه كصوم وصلاة وزكاة وصدقة بدون أخلاق وبدون سماحة في المعاملة، وكيف يقبل على الله ويقف بين يديه وهو بذئ اللسان فظ المعاملة غليظ القلب، فكلما حسنت أخلاق المسلم زاد رصيده من الحسنة وأورثته رقة القلب ولين المعاملة وطيب المعشر بين عبادة الله.

3- الأخلاق تورث القرب من الحبيب المصطفى

قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « إن أحبكم إلي، وأقربكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقًا، الثرثارون، المتفيقهون المتشدقون» [رواه الترمذي وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير]، وكيف لا وقد كانت أخلاقه هي بوابة العبور إلى قلوب العباد فكان الصادق الأمين الذي يعيش بين الناس في سلام وسكينة، لسانه طيب الذكر، ولك يكن هذا هو رأي المسلمين عن نبيهم بل هو رأي غير المسلمين أيضًا: ومنهم المقولة الشهيرة للمهاتما غاندي : «أردت أن أعرف صفات الرجل الذى يملك بل منازع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول، مع دقته وصدقه في وعوده، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفى رسالته، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق وتخطت المصاعب وليس السيف.. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسى آسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة».

4-  لولا الأخلاق لهلكت الأمم

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [سورة الإسراء: 16] فالفسق والفجور وانعدام الأخلاق بين البشر كان موجبًا للهلاك ولنزول العذاب ولنا في ذلك العديد من الأمثلة والعبر فهناك قوم لوط الذين فعلوا الفاحشة، وهناك قوم نوح الذين تكبروا على نبيهم وسخروا منه، وهناك ثمود الذين لم يطيعوا نبيهم ولم يمتثلوا لأوامره وجميعها أفعال منافية للأخلاق وغيرهم من الأمم التي شاع فيها سوء الخلق والأفعال الذميمة التي أوجبت هلاكهم

5- الأخلاق تنشر المحبة وتنهي العداوة

فالعالم يحتاج إلى المزيد من الأخلاق وإلا الاقتداء بالسابقين وعلى رأسهم رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه حتى تعم المحبة بين سائر البشر، فإذا سادت الأخلاق انتفى الحقد والبغض والعداوة والغل وكافة المشاعر الدفينة التي تأثر النفس مع وجود سوء الأخلاق، فكم من عدو في الأمس أصبح صديق اليوم ولنا في السابقين أسوة عندما جاء عكرمة بن أبي جهل ووفد على رسول الله ليعلن إسلامه كيف استقبله الحبيب وكيف أوصى صحابته وهو ابن اشد أعدائه قال لهم: « سيأتيكم عكرمة بن عمرو مؤمنًا مهاجرًا فلا تسبوا أباه فان سب الميت يؤذى الحى ولا يبلغ الميت» فصار بعدها المسلم المجاهد قائد لجيوش المسلمين في العديد من المعارك الحربية حتى توفى شهيدًا رضي الله عنه في سبيل الله.