نشأ أبو ذرّ الغفّاري في قبيلة غفّار في شبه الجزيرة العربيّة التي كانت تقتاتُ على ما ترزقها إيّاه القوافل التّجاريّة أو من قطع الطّرق. كان أبو ذرّ معروفًا بنباهته وفصاحته وبُعد نظره. وقيل أنّه رابع ثلاثة أسلموا أو خامس أربعة. أيّ أنه من الرّعيل الأوّل.

وكان أوّل من استخدم تحيّة الاسلام ” السّلام عليكم ” حين حيّا بها النّبي لمّا دخل عليه. وسمّاه النّبي أبا ذرّ لأنّه رأى شعره متربًا ذات مرّة.

كان منذ صِغره ماقتًا لعبادة الأصنام مستنكرًا على قومه عملهم، وكان يأملُ أن يلقى نبيّ آخر الزّمان فيؤمن به ويبايعه.

وعندما عرِف بخروج “مُحمد بن عبد الله” نبيّ الله ورسوله في مكّة، خرج بنفسه ليستيقن من الخبر. ولمّا دخل مكّة، أدلف لمسجدها وقضى فيه ليلته، فرآه الصّحابي الشّاب ” عليّ بن أبي طالب ” رضي الله عنه نائمًا في المسجد فعلِم بأنّه غريب، فأخذه لقضاء ليلته في بيته، فلما كان الغد ذهب أبو ذرّ يقضي يومه في المسجد، ويعود آخر اليوم يقضي ليلته عند عليّ وهو لا يُحادث عليًّا بأيّ شيء خشيةً أن يكون من غير أنصار محمّد فيفتك به.

حتى إذا كانت اليوم الثّالث سأله عليّ بن أبي طالب عن سبب قدومه مكّة. فأجابه أبو ذرّ: اخبرك، إن اعطيتني ميثاقًا أن ترشدني لما أريد. فأبلغه عليّ ما سأل من الميثاق.

فقال أبو ذرّ: جئتُ مكّة من مكانٍ ناءٍ أبتغي لقاء النّبي الجديد وسماع ما جاء به.

فلمّا سمع عليّ بن أبي طالب قول أبي ذرّ سُرّ لذلك وانفرجت أساريره، فقال: إنّه لنبيّ حقًّا، فإذا أصبحنا اتبعني حيثما سرت.

فلم ينم أبو ذرّ ليلته شوقًا للقاء النبيّ، فلمّا كان الصّباح تبِع أبو ذرّ عليّ بن أبي طالب لبيت النّبيّ. ودخل على النبيّ، فسلّم عليه وسلّم عليه النّبي، فأخذ النّبي يتلو عليه آيات من القرآن ويدعوه للإسلام، فما قام أبو ذر من مقامه حتّى أسلم واتّبع الدّين الجديد.

دوره فى الدعوة إلى الإسلام

أقام أبو ذرّ في مكّة مع النّبي يعلّمه كتاب الله وتعاليم الدّين وأمره بألا يُفصح عن إسلامه لحد خشية أن يقتلوه، ولكن أبو ذرّ أصرّ على الجهر في قلب مكّة فلم يُعقّب النّبي.

فجاء أبو ذرّ جماعةً من قريش يجلسون في نادٍ لهم وهتف في بسالة غير عاديّة أن : يا معشر قُريش..إنّي أشهد ألّا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله.

فجعلوا يضربونه ركلًا ولكمًا بأشدّ الغيظ، حتّى جاء العبّاس عمّ الرسول مدافعًا عنه ورادًّا لبطشهم وخاطب فيهم قبليّتهم: أتقتلون رجلًا من “غفّار”، وقوافلكم تمرّ عليها؟..فتركوه غارقًا في أوجاعه.

ولما رجع للنّبي قال:ألم أنهك عن إعلان إسلامك؟ أجاب: يا رسول الله، كانت في نفسي حاجةٌ فقضيتها.

فأمره النّبي أن يرجع إلى قومه، فيخبرهم بأمر الدّين وأن يدعوهم إلى الله لعل الله يخرج منهم من يؤمن بالله فيُؤجر هو عليهم، حتى إذا رأى أن دعوة الله قد وجدت في أنفسهم مستقرًّا فليرجع إلى النّبي.

فلمّا رجع إلى قومه، دعاهم للإسلام و أسلمت أسرته أوّل من أسلم، ثم طفقوا يدعون إلى الله والإسلام في قبيلتهم حتّى أسلم من غفّار قومٌ كثير وأقاموا الصّلاة..غير أنّ عددًا منهم قالوا بأنّهم لا يؤمنون حتّى يخرج النّبي إليهم، فلما جاء النّبي أسلموا.

وقال عنهم النّبي: غفّار غفر الله لهم..

وبهذا كان لسيّدنا أبي ذرّ دور عظيم في إسلام قبيلة بأكملها.

عندما تفرّغ أبو ذرّ لدعوة قومه للإسلام، كان النّبي قد خاض بدرًا وأُحدًا والخندق ثم قدِم للمدينة. فأستأذنه أبو ذرّ في مرافقته فأذِن له النّبي هو وسعد فكان يُؤثره ويكرمه ويبشّ في وجهه ويصافحه في كلّ مرة يلقاه فيها.

وقال فيه النّبي:  ” ما أقلّت الغَبراء، ولا أظلّت الخضراء رجلٌ أصدق من أبي ذرّ”

وفاته

“رحِم الله أبا ذرّ..يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده”

توفّي ابو ذرّ في الرّبدة في 32 هجريًّا. وكان في فلاةٍ وحيدًا هو وزوجه، فلمّا رآها تبكي بشّرها أنّه سمع النّبي يقول في نفرٍ من اصحابه أنّه يموت منهم رجلٌ بفلاةٍ يشهده جماعة من المؤمنين. وأنّه قد مات كل من خاطبهم يومها رسول الله إلّا أنا فها أنا ذا بالفلاةِ أموت، وستطلع جماعة من المؤمنين فراقبي الطّريق..ومات.

فمرّت عليهما بالفعل قافلة يقودها عبد الله بن مسعود، فلمّا رآه بكي وقال: صدق رسول الله..تمشي وحدك وتبعت وحدك وتُبعث وحدك.