من هو “عمرو بن الجموح

هو الصّحابيّ الجليل عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غُنم بن سلمة الأنصاريّ السلميّ، صِهر عبد الله بن عمرو بن حرام من زوجته ” هند بنت عمرو “. وهو أبو الصّحابيّ ” معاذ بن عمرو” الذي قد أسلَم قبل أبيه. وقد كان عمرو بن الجموح زعيمًا وسيّدًا من أهل المدينة قبل وبعد إسلامه.

قصّة إسلامه

وكما جرت عادة السّادة والزّعماء في الجاهليّة، فقد اتّخذ عمرو لنفسه صنمًا اسمه ” مناف “. وبعد إسلام ابنه “معاذ” اتّفق مع الصّحابيّ “معاذ بن جبل” أن يقيما على أبي معاذ الحجّة أنّه ما يعبد إلّا خشبًا وحجرًا لا يضرّ ولا ينفع.

كانت الخطّة أن يحمل الشّابان “معاذ بن عمرو” و “معاذ بن جبل” مناف في جُنح الظّلام ويلقيانه في بئرٍ يضع فيه النّاس فضلاتهم. حتّى إذا أصبح لم يجده في محفله، ووجده في البئر القذر، فيصيح في النّاس: “ويلكم! من عَدا على آلهتكم هذه اللّيلة؟”..فيحمل الصّنم وينظّفه ويطرح عنه الأوساخ ويضع عليه الطّيب والعطر وينصبه في مكانه من جديد.

وظلّ الشّابان على هذه الفعلة كل ليلة، يحملان مناف ويرمون به في الحفرة فيصبح عمرو يحمله وينظفه وينصبه كما كان حتّى ضجِر عمرو بن الجموح وحمل سيفه ووضعه على عنق مناف وصاح: “إن كان بك خيرٌ فدافع عن نفسك!”. فلما كان الصّبح، وجده ملقىً في البئر مربوطًا بكلبٍ ميّت.

فلمّا رأى هذا عمرو، غضب أيّما غضب، وحينها انتهز أصحابُ النّبي المؤمنين اضطراب خاطره وشرحوا له أنّ الله أحقُّ بالإيمان والعبادةِ مَن له مقاليد ومُلك كل شيءٍ في السّماوات والأرض، لا ذلك الحجر الذي لا يملك عن نفسه دفعًا. وهنا رقّ قلب عمرو، وأسلم وجهه لله مؤمنًا وشهد بأنّه لا إله إلّا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله.

شهادة النّبي في عمرو بن الجموح

عُرف عمرو بن الجموح قبل الإسلام بالجود والكرم، فلمّا أسلم صار أكثر جودًا وكرمًا. وقد شهِد فيه النّبي شهادة مشرّفةً ومكرّمة.

فقد سأل النّبي يومًا جماعةً من قوم عمرو بن الجموح وقال: ” من سيّدكم، بني سلمة؟” قالوا: “الجدُّ بن قيس، على بخلٍ فيه” فقال النّبيّ عليه السّلام “وأيّ داءٍ أدوى من البُخل؟ بل سيّدكم الجعدُ الأبيض: عمرو بن الجموح”..

وقد قال فيه  شاعر الأنصار:

فسُوِّد عمرو بن الجموح لجُوده..وحقٌّ لعمرو بالنَّدى أن يُسوِّدا.

إذا جاءه السُّؤّال أذهبَ ماله ..وقال: خـــــــذوه، إنّه عائدٌ غــدا

إصراره على الجهاد في سبيل الله

ومثلما عُرف عنه الجود والكرم، فقد أراد أن يعرفه الله بالجهاد في سبيله. ولكن كان في ساقه عرجٌ شديد يعجزه عن الخروج لساحات الجهاد. وقد كان له أربعة أولاد مسلمون وأشدّاء يصاحبون النّبي في جهاده ويتبعونه الغزوة تلو الغزوة.

وقد حاول “عمرو” مصاحبة النّبي في “بدر” لكن أولاده توسّلوا النّبي أن يمنعه الخروج، وقد أخبره النّبي أن الإسلام أسقَط عنه فريضة الجهاد في سبيل الله لعجزه. وبرغم إلحاح عمرو، إلا أنّ النّبي ألزمه البقاء في المدينة.

فلمّا كانت “أُحد” راجع عمرو النّبي مرّة أخرى أن يسمح له في الخروج، وقال جملته الخالدة:” يا رسول الله، إنّ بنيّي يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك للجهاد..ووالله إنّي لأرجو أن أخطِر بعرجتي هذه في الجنّة”..حتى إذا رأى النّبي منه هذا الإصرار والحماس، أذِن له بالخروج معه. فأخذ سلاحه مغتبطًا وصار يدعو بصوتٍ مسموع: “ربّ ارزقني الشّهادة..ولا تردّني إلى أهلي”.

استشهاده

وقد أبلى في أُحد بلاءً حسنًا، وكان يضرب بسيفه الضّربة تلو الضّربة وهو ينال من المشركين أشدّ نَيل..حتّى جاءته ضّربة السّيف التي استجاب الله له بها دعوته بالشّهادة.

وبعد انتهاء الموقعة، قال النّبي لمن كانوا يدفنون الشّهداء: “انظروا، فاجعلوا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام في قبرٍ واحد، فإنهما كانا في الدّنيا متحابّين متصافيين..”. ومن علامات قبول الله لشهادته أنّ بعد مُضيّ 46 على دفنهما، نزل سيلٌ شديد على أرض القبور، فأسرعوا بنقل الجثث ورُفاتها. فقالوا عن الرّفيقين: “ليّنة أجسادهم..تنثني أطرافهم”.

وقد وجَد “جابر بن عبد الله” الذي ذهب لنقل رفات  أبيه ” عبد الله” وزوج عمّته”عمرو” أنّ الرّجلين كانا كالنّائمين لا تفارقهما الابتسامة التي لقيَا ربّهما بها أوّل مرّة.