الإستراتيجيات التعليمية للأطفال الصم

د- عطية عطية محمد
أستاذ الصحة النفسية المساعد
كلية التربية –جامعة الزقازيق

يتم التركيز في الأساليب التعليمية للأطفال الصم عادة على مظاهر النمو اللغوي عند هؤلاء الأطفال ، وعلى أساليب التواصل مع الأشخاص الآخرين ، كما هو الحال في أي مجال آخر من مجالات التربية الخاصة ، ولقد تعددت المداخل والأساليب المستخدمة مع الأطفال الذين يعانون من قصور في السمع.


ومن أكثر أساليب التواصل المستخدمة هي:
التواصل اللفظي ، والتواصل اليدوي ، والتواصل الكلى:
1- أساليب التواصل اللفظي: وهى تتخذ من الكلام وقراءة الشفاه المسالك الأساسية لعملية التواصل وتلقى هذه المسالك مساندة من خلال تنمية مهارات القراءة والكتابة ، وتنمية الجزء المتبقي من السمع من خلال المعينات السمعية والتدريب السمعي.
2- أساليب التواصل اليدوي: ويشير التواصل اليدوي من وجهة النظر العلمية إلى استخدام لغة الإشارة وهى نظام من الرموز اليدوية الخاصة تمثل بعض الكلمات أو المفاهيم أو الأفكار المعينة.
وتعتبر لغة الإشارة وسيلة للتواصل تعتمد اعتماداً كبيراً على الإبصار ، وهى عكس طريقة قراءة الشفاه....فإن عدداً قليلاً من الإشارات الخاصة بكلمات مختلفة تبدو متشابهة.
إن رموز الإشارة إلى الكلمتين اللتين تبدوان متشابهتين على الشفاه تختلفان اختلافاً كبيراً تماماً كما تختلف الصور الذهنية التي تكونها عندما نرى الكلمتين في الطباعة العادية.
وتعتبر لغة الإشارة ملائمة بصفة خاصة للأطفال صغار السن حيث يكون من السهل عليهم رؤيتها ، كما أن الطريقة لا تتطلب تنسيقاً عضلياً دقيقاً لتنفيذها.
ويستطيع الأطفال الصم صغار السن التقاط الإشارات بسهولة ، كما أنهم يستخدمونها استخداماً جيداً في التعبير عن أنفسهم...وذلك عندما يكون فقدان السمع من النوع الحاد لدرجة أن الطفل لا يستطيع فهم الكلام الذي يدور حوله.
ومما يعطى مساندة للتواصل اليدوي ما يعرف بطريقة "الهجاء الإصبعي" حيث يكون مفيداً عندما لا توجد إشارة خاصة لكلمات معينة. ولا تختلف الفروق فى مهارات هجاء الأصابع عن الفروق التي نلاحظها في الكتابة اليدوية بين الأفراد المختلفين ، فبعض أشكال الكتابة اليدوية تسهل قراءته فى حين أن البعض يقرأ بصعوبة.
كذلك في حالة هجاء الأصابع فإن بعض الأطفال يتقنون هذه الطريقة والبعض الآخر يخطئ فيها كثيراً. وقد أظهرت الممارسة العملية أن الأطفال الصم الذين يتعرضون للغة الإشارة وهجاء الأصابع منذ ميلادهم يكتسبون فعالية في هذه المهارة ، وربما أسهل مما يتعلم الطفل العادي القراءة عادة ، وقد يكون السبب في ذلك لأن هؤلاء الأطفال يتعرضون لهذه الطريقة في وقت مبكر للغاية ، كما أنهم يتعرضون لها بصفة دائمة.

أنواع الإشارات:
الإشارات التي يستعملها الصم تنقسم إلى قسمين:
أولاً: إشارات وصفية:
وهى الإشارات اليدوية التلقائية التي تصف كرة معينة ، مثل رفع اليد للتعبير عن الطول ، أو مثل فتح الذراعين للتعبير عن كثرة أو تضيق المسافة بين الإبهام والسبابة للدلالة عن الأصغر.
ثانياً: إشارات غير وصفية:
وهى الإشارات غير الوصفية ، ولكنها إشارات خاصة لها دلالتها الخاصة ، وتكون بمثابة لغة خاصة متداولة بينهم ، وهذه مثل الإشارة إلى أعلى دلالة على "شيء حسن" ، والإشارة بالإصبع إلى أسفل للدلالة على "شيء رديء".
وهذا النوع من الإشارة لا يصف شيئاً وربما رجع أصلها للإشارة إلى الجنة في السماء (شيء حسن) ، والجحيم في أسفل الأرض (شيء رديء).
والإشارات الوصفية كثيرة الشيوع بين الأسوياء ، أطفالاً أو كباراً ويستعملونها لتكسب الكلام قوة وتعبيراً دقيقاً ، وهى تستعمل في نفس الوقت مع الكلام ، ولا تستعمل وحدها. بينما الإشارات غير الوصفية فيقصر استخدامها بين الصم ولا يستعملونها الأسوياء.
ولما كانت الإشارات الوصفية إشارات طبيعية ، فلا يجب أن نحرمها كل التحريم على الطفل الأصم ، لأنها وسيلة من وسائل التعبير العادية ، وفى حرمانه من استعمالها حد من وسائل التعبير عن حاجاته....والمهم هنا أن نشجعه على إخراج صوته والتعبير عن كل شيء هو في حاجة إليه...ويجب ألا يعتمد على الإشارات فقط دون إخراج صوته للحصول على ما يرغب.

عيوب استعمال الإشارات الوصفية:
1- تكوين عادة ملاحظة اليدين وإغفال ملاحظة الوجه بالنسبة للطفل الأصم.
2- الاعتماد على الإشارة كالطريقة الأولى للفهم والتفاهم.
وطبيعي أن هاتين العادتين تعوقان تكوين العادات الأساسية اللازمة لتعلم قراءة الشفاه وكذلك الكلام. أما الخطوات التي يجب على معلمة الفصل أن تتبعها ، ففي كل المواقف الممكنة يجب أن تعتمد فى مخاطبة الطفل الأصم على أن تستعمل عينيها للتعبير والتكلم فى نفس الوقت ، وذلك لإفهام الطفل ما تعنيه ، ويجب أن تبتعد ما أمكن عن استعمال الإشارات إلا فى الضرورة القصوى التى بدونها قد يضار الطفل.

فوائد لغة الإشارة:
1- إن لغة الإشارة هى اللغة الطبيعية والتى من خلالها يستطيع الأصم أن يعبر عن نفسه ، وعما يجول بخاطره.
2- إن لغة الإشارة تساعد فى توضيح وتوصيل العديد من المفاهيم المادية والمعنوية.
3- إن لغة الإشارة هى الطريقة الأسرع فى توصيل المعلومات.
4- إن للإشارة دوراً بارزاً لتنمية القدرات الذهنية والتذكر والانتباه ، فالمعروف أن الأصم ينسى كثيراً ما يقال له ، ولكن غالباً ما نرى أن الشىء المقرون بالإشارة يبقى متذكراً.
النقد الموجه للغة الإشارة:
1- إن لغة الإشارة تعتمد على حركات اليد المرئية ، فلا يمكن ممارستها فى الظلام لعدم القدرة على الرؤية.
2- إن البعض يعتقد أن لغة الإشارة تقرب الصم بعضهم البعض وتجعلهم يشكلون مجتمع خاص بهم مبتعدين به عن السامعين لعدم وجود وسيلة الاتصال المشتركة بين الطرفين.
3- أن سهولة وسرعة تعلم واستعمال لغة الإشارة لدى الصم تقلل من عملية تعليم اللغة المنطوقة والتى هى – كما يعتقد البعض – اللغة الطبيعية والأقرب للسامعين من غيرها.
4- نتيجة لافتقار الأهل السامعين للوسيلة التى تمكنهم من دخول عالم ابنهم الأصم ، توجد فجوة كبيرة بين الأصم وجميع أفراد الأسرة ، والتى لها آثار سلبية وعميقة على نفسية الأصم كشخص غير مرغوب فيه ، مع العلم أنه يمكن تفادى ذلك بتعليم الأهل لغة الإشارة مما يسهل عملية التفاهم بينهم.
5- هناك تفاوت فى نسبة الفقدان السمعى لدى الصم ، وبالتالى فإن الأصم من خلال اعتماده على لغة الإشارة فإنه يهمل بشكل ما البقايا السمعية التى يمكن من خلالها أن تستعمل ويستفاد منها.

التهجى الإصبعى

هى إشارات حسية مرئية يدوية للحروف الهجائية بطريقة متفق عليها ، ومن السهل تعلم التهجى الإصبعى ، حيث يمكن التعبير عن الأسماء أو الأفعال التى يصعب التعبير عنها بلغة الإشارة بالتهجى الإصبعى. ومع ذلك يمكن الجمع بين لغة الإشارة أو الأصابع معاً لتكوين جملة ذات معنى.
وتضم الأبجدية كل لغة من لغات المجتمعات الإنسانية عدداً من الأحرف تتألف منها الكلمات ، وتتوقف هذه الأحرف ما يسمى أبجدية اللغة....وهى بما تتميز به اللغة عادة من حيث هى منطوقة ومرسومة ، فإذا جعلت أصابع الإنسان فى حركات وأوضاع تأخذها معبرة عن أبجدية اللغة...كان المصطلح عندئذ أبجدية الأصابع.

مميزات التهجى الإصبعى:
1- مشابهة تمثيل الحرف الإشارى للحرف الأبجدى العربى ، أو دالاً على ما تتميز به.
2- الاقتصار على الحدود الدنيا فى الجهد العضلى المبذول لتمثيل الحرف.
3- اعتماد اليد الواحدة فى تمثيل الحروف الأبجدية.
4- استخدام أسلوب مواجهة كف اليد للناظر (للطالب).
5- توافر الوضوح فى وضع الأصابع لتمثيل هذه الحروف أو ذلك ، بغية تلافى اختلاف الأمر على الناظر.
6- التنبيه دائماً إلى أن أبجدية الأصابع الإشارية تختلف عن لغة الإشارة التى تعبر بإشارات مقننة عن الكلمات أو المعانى أو الجمل أحياناً.
7- يمكن أن تعزز عملية قراءة الشفاه ، فمثلاً بالنسبة للأحرف التى مخارجها غير واضحة ممكن عمل إشارة الحرف بالأبجدية.
8- يمكن استخدامها فى المحاضرات والندوات لإبراز الأسماء الواردة.
9- يمكن استخدامها عند ورود مصطلحات علمية وفنية جديدة ليس لها بعد إشارة وصفية.
10- يمكن التفاهم عن طريقها بين الصم من دول مختلفة.

النقد الموجه للتهجى الإصبعى:
1- يجب معرفة اللغة وشكلها مكتوبة أولاً ثم ننتقل إلى مرحلة التهجئة ، ومن هنا فلا يمكن استعمالها كقناة اتصال أولى مع الأطفال.
2- لا يمكن استعمالها عن بعد حيث لا يمكن تكبير شكل اليد.
3- إنها تبعد الطفل عن قراءة الكلام وتتبعه.
4- إنها لا تمكن الطفل من تعلم النطق والكلام.
5- لا تمكن الطفل من تعلم اللغة وتنميتها من سن مبكرة.
6- لم تحسن المستوى التعليمى للتلميذ الأصم المستخدم لها.
7- لا يتمكن الطفل الأصم من استعمالها إلا مع زملائه الصم...ولا يستطيع أن يتعامل بها مع أفراد المجتمع لعدم فهمهم واستعمالهم لها.
وبالتالى فلا تحل مشاكله الاجتماعية والنفسية.

التواصل الكلى :
بعد أن وضح فشل بعض الأطفال المعوقين سمعياً فى تعلم النطق والكلام واللغة بطريقة التواصل الشفهى ، نادى المربون بضرورة استخدام الطريقة الكلية معهم لتحقيق هذا الهدف. وقد أخذت هذه الطريقة عدة مظاهر ، فبعض المدارس قصرها على الجمع بين الإشارات الوصفية والهجاء الإصبعى ، واستعملت مع الأطفال الصم الكبار. والبعض الآخر استعملها بالجمع بين قراءة الشفاه وبعض الرموز اليدوية التوضيحية.
والبعض الآخر أيضاً جمع بين الطريقة الاستماعية والطريقة الشفوية مع استغلال البقايا السمعية عند الطفل. ويقصد بالتواصل الكلى حق كل طفل أصم فى أن يتعلم استخدام جميع الأشكال الممكنة للتواصل ، حتى تتاح له الفرصة الكاملة لتنمية مهارة اللغة فى سن مبكرة بقدر المستطاع.
مثل هذا العمل يتضمن إدخال نظام ثابت للرموز المستقبلة التعبيرية فى سنوات ما قبل المدرسة فيما بين سن (1-5) سنوات. ويشتمل أسلوب التواصل الكلى على الصورة الكاملة للأنماط اللغوية: الحركات التعبيرية التى يقوم بها الطفل من نفسه ، ولغة الإشارة ، والكلام ، وقراءة الشفاه ، وهجاء الأصابع ، والقراءة والكتابة.

بداية التواصل الكلى:
يبدأ التواصل بين الطفل والوالدين منذ ميلاد الطفل ، بدءاً من الحركات البدائية الفجة ، ووصولاً إلى الأشكال المتطورة من التواصل ، ولابد من تشجيع الوالدين على التواصل مع الطفل الأصم من خلال الخبرات اليومية العادية باستخدام الوسائل التى تكون مفهومة من الطرفين...بمثل هذه الطريقة ينمو التواصل من خلال أشكال هجائية من التفاعل الإنسانى.
ولذلك فإن الاستخدام المبكر والمستمر لنظام التواصل الكلى يساعد على النمو العقلى بما يترتب على ذلك من تحصيل أكاديمى...حيث أن مفتاح النجاح فى التحصيل الأكاديمى يكون فى مهارات القراءة والاستيعاب.

التتابع الطبيعى لتطور عملية التواصل:
1- تعتبر الإشارات أسهل السبل لتمكين الطفل الصغير المصاب بالصمم الولادى من التواصل بالمعنى الحقيقى. أى أن يكون الطفل قادراً على التعبير عن آرائه وأفكاره الذاتية...وعندما يحدث ذلك نستطيع أن نلاحظ تغييرات إيجابية فى السلوك ، وتحسناً فى العلاقات الشخصية المتبادلة.
2- تساعد الإشارات على تدعيم قراءة الشفاه والسمع عندما يقوم المعلم أو الأب بإصدار الإشارات والتحدث فى وقت واحد...وعندما يستخدم الطفل الأدوات المبكرة للصوت الملائمة لحاجاته الخاصة. إن التجميع الذى يضم الكلام والإشارات يوفر نمطاً تركيبياً يقوم الطفل الأصم بتقليده سواء من الناحية البصرية أو السمعية ، وعندما يستخدم الشخص الراشد الأصم الكلام مع الإشارة فإنه بذلك ينظم بطريقة شعورية إشاراته بطريقة تركيبية...وبالتالى يحسن الصم من مهاراته الملفوظة مما يؤدى إلى تواصل أفضل بين الصم والعاديين.
3- إن القدرة على السمع تدعم المهارات السمعية الملفوظة (الكلام وقراءة الشفاه) بالنسبة لعدد كبير من الأطفال الصم عندما تكون الأدوات المعنية من النوع الذى يسهل السمع...ويتوقف النجاح فى هذا المجال على قدرة الطفل على أن يسمع الكلام الصادر منه ، وأيضاً أن يسمع كلام الأشخاص الآخرين.
4- إن هجاء الأصابع يدعم القراءة والكتابة ، يتطلب هجاء الأصابع تقريباً نفس المستوى من النضج ، ومن الخبرات اللغوية الذى تتطلبه القراءة والكتابة.
ولذلك تعتبر استراتيجية التواصل الكلى فعالة ومؤثرة مع الأطفال الصم بدرجة حادة ، ومع الأطفال الذين لا يملكون درجة كافية من السمع تمكنهم من الاستفادة من الأساليب التعليمية التى تعتمد على التواصل الملفوظ...لكن بالنسبة للأطفال الذين تبقت لديهم درجة كافية من السمع ، أو المصابين بدرجة من فقدان السمع تتراوح ما بين خفيفة إلى معتدلة ، فإن الاستراتيجية التى تقوم على أساليب التواصل الملفوظ تعتبر فعالة ومؤثرة إلى أبعد الحدود.

النقد الموجه إلى التواصل الكلى :
1- من المتوقع ألا نجد غالبية الأفراد قادرين على تعلم الإشارات سواء كانت إشارات وصفية أم هجاء إصبعى حتى يتمكنوا من التواصل مع الصم. أما فى المدرسة فيصبح الأمر سهلاً ، إذ لابد من تدريب جميع العاملين فى المدرسة من مدرسين وموظفين وإداريين على التهجى الإصبعى والإشارات الوصفية ليتمكنوا من استعمالها مع قراءة الشفاه والكلام أثناء تواصلهم بالأطفال الصم.
2- إن التواصل الكلى يعطى الحرية للتلميذ الأصم فى المفاضلة بين استعماله للإشارات وبين استعمال النطق ، وحيث أن التلاميذ الصم يجيدون استخدام الإشارات لأنها لغتهم التى تدربوا عليها لمدة طويلة ولم يتعلموا النطق والكلام فى تواصلهم إنهم سوف يختارون الطريقة الأسهل فى التواصل وهى الإشارة ويبتعدوا كلية عن تعلم النطق والكلام.
3- إن تنفيذ التواصل الكلى يؤثر على النمو الكلامى للطفل الأصم...حيث أنه من المحتمل أن يتأثر كلام الطفل الأصم لفترة مما قد يضطر فيها المعلم إلى التركيز على توصيل المادة التعليمية للتلميذ أفضل من التركيز على تعليمه مهارات النطق والكلام.