لا يوجد انفصال بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبية والطبيعية ، ولذلك فإن العديد من نظريات علم النفس وعلم الاجتماع قد ساعدت على اكتشاف كينونة الكثير من الأشخاص وتشخيص حالتهم النفسية في الكثير من الأحيان ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك اختبارات الذكاء النفسية والتي قد ابتكرها الكثير من علماء علم النفس والتي قد لعبت بالفعل دورًا هامًا في تحديد مستوى ذكاء وإدراك المتعلمين وسماتهم الشخصية وخصوصًا الأطفال وصغار السن .

اختبار رسم الرجل

يُعد اختبار رسم الرجل هو أحد الاختبارات النفسية التي قد تم ابتكارها بواسطة جودانف Goodenough عام 1926م ، ومنذ أن ظهر هذا الاختبار وهو يُستخدم على نطاق واسع جدًا في العديد من الدول من أجل قياس نسبة ذكاء الأطفال سواء في المؤسسات الاجتماعية أو المدارس أو تحديد درجة وعي وإدراك أصحاب الهمم أو ذوي الاحتياجات الخاصة .

ويُذكر أن هذا الاختبار من الاختبارات المستخدمة في عدد كبير جدًا من البلدان سواء العربية أو الأجنبية نظرًا إلى أنه اختبار شامل جدًا وهام ولا سيما أنه لا يُساعد على التعرف على مستوى ذكاء الأطفال فحسب ؛ وإنما يُساعد أيضًا في التعرف على أهم جوانب شخصية الطفل .

طبيعة اختبار رسم الرجل

عند إجراء اختبار رسم الرجل ؛ يُطلب من الطفل أن يقوم برسم الرَجُل في مدة زمنية لا تزيد عن ربع ساعة ، وبعد ذلك يقوم الأخصائي النفسي بتحليل الرسمة من خلال الاعتماد على ما يقرب من 51 عنصر مخلف خاص بالاختبار ، حيث يتمكن الأخصائي عبر هذه الرسمة من تحديد عمر العقل لدى الطفل وفقًا لدرجة الاستيعاب وتحديد نسبة الذكاء أيضًا ، وقد قام العالم هاريس عام 1963م بإدخال مجموعة من التعديلات الإضافية على هذا الاختبار حتى أصبح يتضمن عنصر يتم من خلالها تحديد درجة ذكاء وشخصية الطفل .

مميزات اختبار رسم الرجل

هناك عدد كبير من المزايا التي ينطوي عليها اختبار رسم الرجل ، ومن أهمها ما يلي :

-أكثر ما يميز اختبار رسم الرجل أنه اختبار غير لفظي ولا يحتاج إلى إرهاق الطفل في القراءة أو الكتابة أو التعبير من أجل تحديد درجة ذكائه وتحصيله وفهمه .

-كما أن اختبار الذكاء القائم على رسم الرجل يُعتبر من الاختبارات السهلة والبسيطة والعميقة في نفس الوقت ؛ وهو منخفض الثمن تمامًا ولا يحتاج إلى تكلفة متقدمة كما هو الحال في اختبارات الذكاء الأخرى .

-يُمكن تطبيقه على أي طفل في أي مكان بسهولة تامة ؛ حيث أنه لا يحتاج إلى بيئة خاصة أو تجهيزات مسبقة .

-كما أن اختبار رسم الرجل أيضًا يُمكن تطبيقه على طفل واحد فقط أو على مجموعة من الأطفال في نفس الوقت .

-ومن أهم سمات اختبار رسم الأرجل أيضًا أنه لا يستغرق وقتًا طويلًا سواء في الرسم وتنفيذ الاختبار أو في عملية تصحيح وتقييم الطالب ؛ حيث أنه لا يتطلب وقت أكبر من 10 دقائق تقريبًا سواء للرسم أو التصحيح والتقييم .

-ومن أهم مزايا هذا الاختبار أيضًا أنه ذو درجة عالية من الصدق والثبات ولا يتغير بتغير العوامل والبيئات والأهداف ، وهذا ما يغيب عن الكثير من اختبارات الذكاء واختبارات تحديد الشخصية الأخرى .

نظرية اختبار رسم الرجل

لقد تم بناء فكرة هذا الاختبار على مجموعة من الأسس والمبادئ على النحو التالي :

-يعتمد هذا الاختبار على حقيقة أن الطفل يقوم برسم ما يعرفه ، وبالتالي ؛ يُمكن تحديد أهم معلومات الطفل عبر ما يرسمه من خطوط ومنحنيات وتفاصيل ونسبة وتناسب ومنظور خاص له في الرسمة فيما يخص الرجل التي يتم رسمها وأجزاء وأعضاء الجسم الأخرى التي تميز الرجال ، وقد وقع اختيار مبتكري هذا الاختبار على رسم الرجل وليس المرأة ؛ نظرًا إلى أن هيئة الرجل تكون أكثر وضوحًا في ذهن الطفل .

-كما تنطوي مبادئ هذا الاختبار أيضًا على أن الأطفال ذو الدرجة الأعلى من الذكاء تتضمن الرسومات الخاصة بهم قدر أعلى من التفاصيل ونسبة وتناسب واقعي بين أجزاء الجسم أيضًا ، أما الرسومات المبهمة والرديئة والخالية من التفاصيل الواقعية ؛ فهي تعكس مستوى الذكاء المنخفض لدى الطفل ، وبالتالي فإن هذا الاختبار يُساعد على قياس مستوى القدرة العقلية عبر ما يعبر عنه الطفل من تفاصيل وما يُشكله أيضًا من علاقات بين أجزاء الرسمة .

-وحتى يكون الاختبار قابلًا للتطبيق في كافة البلدان التي يختلف زي الرجال بها بالطبع من دولة إلى أخرى ، فلم يتم وضع نموذج خاص بشكل الرجل المراد من الطفل رسمه ، وإنما تم اعتبار أي أجزاء ملابس يضعها الطفل ذو دلالة واحدة وفقًا لكل دولة سواء كان الجلباب أو الزي والمظهر الأوروبي المتعارف عليه للرجال .

استخدام اختبار رسم الرجل لتحديد الشخصية

وقد أشار الدراسات والأبحاث الحديثة إلى أن الرسومات لا يُمكن من خلالها تحديد العمر العقلي للإنسان فحسب ، وإنما هي دلالة على الصفات والجوانب الشخصية أيضًا ، ومن مظاهر ذلك ، ما يلي :

-الأطفال الذين يمتلكون نفس نسبة العمر العقلي تكون الرسومات الخاصة بهم مختلفة عن بعضها البعض في الأشكال والأحجام والتفاصيل ، وبالتالي ؛ فإن التفاصيل التي يتركها الطفل في رسمته إنما هي إشارة تعكس بوضوح أهم سمات وصفات وجوانب شخصيته .

-كما أن إتقان السمة بشكل كامل وتام ؛ يُشير إلى حالة التوافق النفسي التي يعيش بها الطفل ، ومن الأدلة على ذلك أن الرسومات المتقنة يكون الطفل القائم برسمها يحيا في حالة من التوافق النفسي والاجتماعي ، بينما الطفل الذي لا يتقن رسمته ؛ فهو يحيا حياة عديمة التوافق سواء على المستوى الانفعالي والنفسي أو الاجتماعي .

-كما أن حجم الرسمة يدل بشكل كبير جدًا على بعض الصفات الهامة والأساسية لدى الطفل ؛ حيث أن الأحجام المتوسطة نوعًا ما تُشير إلى أن الطفل ذو شخصية متزنة وطبيعية جدًا مثل الغالبية العظمى من الأشخاص ، أما الرسمة صغيرة الحجم ؛ فهي تشير إلى أن هذا الطفل غامض ولا يُمكنه التعبير عن نفسه وعن احتياجاته ، في حين أن الرسمة ذو الحجم الكبير جدًا تُشير إلى أن هذا الطفل ذو شخصية واضحة جدًا ويعرف ما يُريد وذو قدرة على التعبير عن نفسه أيضًا .

ويُذكر أن عدد كبير من الدول العربية بما فيها المملكة ودولة الكويت وكذلك دولة الإمارات وغيرهم ما زالت تعتمد على استخدام اختبار رسم الرجل ، ولقد تم وضع بعض المعايير الأخرى وفقًا لمنظور الطفل العربي في نظرته ورؤيته لمظهر الرجل بالزي العربي ، ولقد ساعد هذا الاختبار بالفعل في قياس مستوى ذكاء الأطفال واكتشاف الأطفال أصحاب التدني في المستوى الفكري والعقلي والأطفال أصحاب الإعاقات الذهنية أيضًا ، وتحديد الأطفال الذين يتمتعون بمستوى ذكاء مُتقدم .

كما يتم الاعتماد على النموذج المُعدل من اختبار رسم الرجل والذي يحتوي على عدد أكبر من العناصر التي تزيد عن الـ 90 عنصر والتي يُمكن من خلالها تحديد درجة ذكاء الطفل وسماته وجوانب شخصيته بشكل كامل ودقيق بسرعة وسهولة .