التذوق الجمالي عبارة عن الإحساس المرافق للسياقات الفنية أو الجمالية ، ويوصف بحاسة الذوق بديلاً عن الحواس المستخدمة عند تأمل الفنون الجميلة كحاسة البصر الذي نتأمل بها الفنون المرئية والسمع عند تذوق الموسيقى ،وجميعها مفردات لغوية يمكن استخدامها عند النقد الفني ، ويتم نقل الإحساس من من مناطق الإدراك الحسي لمناطق أخرى ، فمثلاً في فن تذوق الطعام وتذوق النبيذ ، وعند صناعة العطور يمكن للمتذوق اختيار مفردات لغوية رائعة لا يمكن أن تقتصر على الطعم والرائحة فقط بل تون خيالية بشكل كبير ، وهذه الحالة موجودة عند بعض الفنانين مثل الفنان الروسي كاندينسكي .

التذوق الجمالي

قد تختلف النظريات النقدية الجمالية في تناولها رسائل الأعمال الفنية المعبر عنها بأجزاء العمل التشكيلي المؤشراتية والرمزية والأيقونية ، وبحسب الطبيعة الانشائية والتكوينية للعمل ، وأسلوبية الفنان المنتج له .

تعد الذائقة الجمالية احدى المراحل المتقدمة من الادراك الجمالي ، وتبتديء عادة بعمليات التحليل والتركيب  ، حيث ينشأ عبرها تصاعد في  الحس المدرك بفعل التراكمين الكيفي والكمي ، ما يعمل على تحقيق الخبرة الجمالية وصولاً الى البناء التركيبي . وفي حالة استدامة هذا الفعل الراقي . ولما كان النقد يعرّف بكونه عملية شعورية متسلسلة تبدأ من الملاحظة البسيطة وصولاً الى المركب منها ؛ لأن النقد يعد مرحلة متطورة عن عمليات التذوق ذاتها ، التي من سماتها الجوهرية انجازها لعمليات التفريق والتفكيك والتجزئة ، وستصاحبها كنتيجة استقرائية ، نتائج الكشف في علاقات البنى الداخلية وسياقات العمل الفني المتصدى له .

الفرق بين تذوق الفنان وتذوق المتلقي

التذوق يعني ضمناً القدرة على النقد ، وان اختلفت درجاته ؛ لذا فان المتلقي سيقوم بنفس آليات العمل النقدي للفنان أو الناقد  وان لم يدرك ذلك ، فهو عفوياً سيتوقف أولاً أمام العمل الفني ، ليدخل بعدها في حالة من العزلة ، حيث التركيز والمسح البصري الذي سترافقه عمليات اثارة العواطف واحتدام الأحاسيس التي ستقود الى لحظات من الحسم العقلي التحليلي . وبفعل هذا التعاطف مع العمل الفني ستتم عمليات فكرية استنباطية واستدلالية ، لتصل الى البراهين والحدس ، الذي تجاوره وترافقه لحظات من الفهم والوعي ، فضلاًعن عمليات التحليل والتركيب ، وهذه جميعا تلتقي مع ذائقيه الفنان .

الا ان ما يجب التنويه عنه ان المتلقي الذي لم يبلغ مبلغ الناقد او الذي يفتقد القدرة على التعبير النقدي سيعجز عن توصيف او ايصال انطباعاته عن العمل فضلا عن تفسيره لكنه بالضرورة سيمر بالمراحل المذكورة اعلاه .

ولكي يرتقي اداء المتلقي ليقترب من اداء الناقد المتصف بتهذيب ونمو الذائقه الجماليه ، يتوجب عليه امتلاك بعض القدرات الاساسية التي منها وعيه العام بما يحيطه من احداث وظواهر بمختلف اشكالها ، الذي سيقوده بالنتيجه الى امتلاك ثقافة تراكمية تحليلية تشكل احدى اهم ملكات الناقد الجيد ، هذا اضافه الى الثقافة التخصصية الواعية للتذوق الجمالي . وكل ذلك سوف لن يثمر عملاً تقويمياً او تذوقاً جمالياً حقيقياً ، بافتقاد القابلية المنطقية والبلاغية في اجراء عمليتي التحليل والتركيب لمفردات موضوعة العمل الفني . وكما ان الفنان الاكثر ثقافة ووعياً وتجربة ، هو أقدر وأكثر وأعمق إبداعاً وتأثيراً في المشهد الفني عبر انجازاته الفنية المعروضة ،كذلك سيكون أداء الناقد الممتلك للقدرات والمواصفات المذكورة .

أساس البناء النقدي الجمالي

كي يتصف النقد عموماً والجمالي في تناولنا هذا بالجودة والمنهجية العلمية لابد له من شروط  يجب توفرها في الناقد بصرف النظر عن المدرسة التي ينتسب اليها ، او يعتمدها في تقويم ما يتصدى له من عمل فني تشكيلي تحديدا ، ومن أهم تلك الشروط ، إمتلاك الناقد للوعي التخصصي كما اسلفنا الذي يمثل الذائقة والانتماء القصدي الجمالي له ، وهذا الأمر فيه جانبان ، الاول يتصل بسايكولجية الناقد مضافاً إليها دوافع خفية ، أما الاخر فيتعلق بالاكتساب التراكمي الثقافي .

ومن المعلوم ان التراكم التخصصي الجمالي له العديد من الموارد  المعرفية نذكر منها : الموسوعية التاريخية ، الوعي الجمالي للمدارس والحركات الفنية بمختلف اتجاهاتها والتعرف على معظم فنانيها ، مع الاحاطة والوعي الفلسفي الجمالي بدراسة فلسفة الجمال ، الوعي الجمالي السايكولوجي ، الوعي السياسي والعلمي ، وأخيرا الوعي الانساني الوجودي.

فالإحساس الجمالي هو قدرة تحويل الصورة أو الصوت إلى شعور جمالي ، ولهذا يختلف الموقف من متلقٍ إلى آخر ومن متأمل إلى آخر في تكوين الموقف الجمالي ، وإلا ما تكون عليه المعاني الجمالية في نفس الإنسان إن كان أعمى الذوق .. وما فائدة وقوف أعمى أمام لوحة فنية رائعة غنية المعاني .. فالفرق شاسع بين تذوق الأفكار في كتاب ما والتمتع بها والاستفادة منها وبين الشعور بأنه عمل ملزم والقراءة لا يتعدى هدفها الانتهاء من واجب الاختبار.