قلعة مڭونة مدينة جبلية جميلة، تمّ تأسيسها في الثلث الأول من القرن العشرين تقريباً تقع هذه القلعة في الجنوب الشرقي من المملكة المغربية، حيث تنتمي إلى إقليم تنغير وتشتهر بزراعة الورود، كما تشتهر بمؤهلات بشرية وسياحية وطبيعية وثقافية وفلاحية كبيرة، كما تشتهر أيضا بمنتوجاتها من الورود ذات الجودة العالية، حيث يقام على شرفها مهرجان كل سنة يكتسب صيتاً عالمياً، لنتعرف في هذا المقال على هذه المدينة الجميلة.

موقع وسكان قلعة مكونة

تقع على بعد 90 كيلومترا شرق ورزازات، على الطريق الرئيسية رقم 10 الرابطة بين مدينتي تنغير و ورزازات، و تعد منطقة سياحية وإستراتيجية تربط الإقليمين معا،  كما أنها تقع بالقرب من وادي مكون، يُذكر أنّها سميت بهذا الاسم نسبةً إلى جبل يسمى جبل مكون الذي يعتبر من بين أعلى القمم الجبلية بالمغرب بارتفاع يبلغ حوالي 4080 متر، وتشتهر هذه القلعة بزراعة الورود الجميلة وصناعة مائها، تتبع إداريا إقليم تنغير، و يحدها شمالا جماعة سوق الخميس، وجنوبا أيت سدرات السهل الغربية، وشرقا أيت سدرات السهل الشرقية، و غربا جماعة أيت واسيف، و تعرف هذه الجماعة الحضرية نموا ديمغرافيا كبيرا وهجرة خارجية و داخلية مهمة ويعتبر غالبية سكان من الأمازيغ،  ما عدا قلّة منهم ينتمون لقبائل الشرفاء الأدارسة و العلويين، ويُمارس السكان أنشطةً معيّنة منها الفلاحة، والتجارة و وإنتاج الورود التي تستعمل في مواد التجميل و ماء الورد الطبيعي.

تاريخ قلعة مكونة مملكة الورود

 تتكون كلمة قلعة مكونة من كلمة ‘قلعة’ العربية، مضافة إليها كلمة ‘مكونة’، نسبة لوادي “مكون”، وهي كلمة أمازيغية، كانت تسمى في الماضي “تغرمت نمكون”،تسميتها تتكون من شقين هما..”تغرمت” و تعني في اللغة الأمازيغية القلعة، و”نمكون” و تعني النائم، مما معناه “قلعة النائم”،  و كلمة “أمكون” في اللغة الأمازيغية يقصد بها الجنين الذي ينام في بطن أمه. يقال ان نشأة قلعة مكونة تعود إلى القرن الخامس عشر على يد بعض التجار الشاميين الذين خلفوا “الورد البلدي” الذي لا يزرع في أي مكان آخر في المغرب غير وادي مكونة و وادي دادس، لكن هناك بعض المصادر التي تؤكد أن الفرنسيين هم من أحضروا الورد الدمشقي إلى قلعة مكونة عام 1938، و على امتداد خمسة قرون، ظلت قلعة مكونة شامخة على ضفة وادي مكونة، أحد أكبر أودية السفح الجنوبي لجبال الأطلس الكبير تقطنها بعض العائلات القليلة بينما كانت اغلب مساحات القلعة فارغة عبارة عن بساتين، ومع وصول سلطات الحماية الفرنسية إلى هذه المنطقة في منتصف العشرينات قرروا بناء قنطرة طويلة تربط القلعة بالطريق الرئيسية لكن أمغار شيخ القبيلة آنذاك تمكن من إبعادهم عن قلعته، مما دفعهم إلى إقامة مشروعهم في مكان خلاء، يبعد حوالي كيلومترين عن القلعة التاريخية، وأطلقوا عليه التسمية الشائعة في المنطقة.. قلعة مكونة، ومنذ ذلك الحين بدأت الدوائر تدور على القلعة التاريخية ويسكنها جيل جديد من السكان، لذلك يقول بعض المؤرخين أنها قد تأسست سنة 1929م، من طرف لاستعماريين لهدف استراتيجي وهو ردع التحركات المنظمة من القبائل ضدهم.

اقتصاد قلعة مكونة

تتوفر على منتوجات فلاحية ذات جودة عالية مثل التين و اللوز والجوز، ومنتوجات أخرى مثل الزعفران الحر و الزيتون والعنب والتفاح والمشمش، يزاول السكان النشيطون هناك أنشطة اقتصادية متنوعة منها النشاط الفلاحي يليه النشاط السياحي ثم الصناعة التقليدية إلى جانب إنتاج المواد العطرية، و تعتبر زراعة الورود هي النشاط الاقتصادي الرئيس لسكان المنطقة الذين يزرعون في أراضيهم “الوردة الدمشقية”، التي يستقطر منها ماء الورد الطبيعي، ويعلب ثم يتم تصديره إلى بقية المدن المغربية و الخارج، يتمّ توظيف الورود لإنتاج مواد التجميل، و ماء الورد الطبيعي،الخ.. فاقتصاد قلعة مكونة وشهرتها مرتبط بشكل مباشر بمواسم قطف الورود وجنيها، ورهين بتسويق ما يستخلص منها من مواد تجميلية و منتجات في الأسواق المحلية والعالمية، كما تقوم بعض الأسر هناك بتقطير الورد بشكل تقليدي و بيعه للتعاونيات الخاصة، حيث تنتج  ثلاثة أطنان من بتلات الورد لتر واحد من ماء الورد، كما يتم استخراج زيت الورد من بتلات الورد عن طريق التقطير بالبخار. و يتم قطف الورود يدويًا ثم نقلها إلى معامل التقطير الصغيرة في المنطقة المراد معالجتها، هناك مصانع في الدار البيضاء تشتري الكثير من المحصول، كما يتم بيع أكاليل الورود من قبل الأطفال المحليين بسعر قليل جدًا.

السياحة في قلعة مكونة

تعتبر من بين المناطق السياحية التي تجذب الكثير من السياح خاصة في فصل الربيع، فهي وجهة مهمة بالنسبة للعديد من المغاربة والأجانب خلال فعاليات مهرجان الورود الشهير عالميا، كما أنها تمتاز بمناخ وتضاريس جميلة وقصبات توجد على ضفتي نهر داداس و نهر مكون، وهذا ما يجذب الزوار من كل حدب و صوب، خاصة وادي مكون الذي يمنح الحياة للورود، يسمى كذلك وادي الورود كما يسمى أيضا وادي الألف قصبة بعد أن أقامت على ضفافه القبائل الأمازيغية منذ مئات السنين قصباتها التاريخية المميزة، ولذلك فهذا الوادي يعتبر من المناطق السياحية الجميلة التي يقصدها الكثير من السياح خاصة من هواة السياحة الجبلية، و من الممكن الذهاب في نزهة قصيرة أو المشي لمسافات طويلة في التضاريس الجبلية، كما هناك العديد من القرى الامازيغية القريبة من قلعة مكونة في غاية الجمال، وكذلك مدينة إميلشيل الشهيرة حيث يقام مهرجان الزفاف السنوي.

على ضفاف الوادي يوجد الكثير من الورود الدمشقية الجميلة التي تزهر في أبريل وتزيد من جمال المكان، حيث يتم حصاد ما يصل إلى أربعة آلاف طن من بتلات الورود سنويًا من 4200 كيلومتر من شجيرات الورد، بالإضافة إلى موسم الورود الذي يستمر ثلاثة أيام في قلعة مكونة والذي يحضى بدعم جيد من قبل السكان المحليين في المنطقة، ويشمل الكثير من العروض و الأنشطة الممتعة، هذه المناسبة الاحتفالية هي سبب جيد للسفر إلى هذه المنطقة الرائعة من المغرب في شهر مايو.

موسم الورود بقلعة مكونة

موسم الورود عبارة عن مناسبة يجتمع فيها البعد الاقتصادي مع العمق الثقافي والتراثي، كان في البداية مجرد حفل صغير و في سنة 2012، أصبح مهرجاناً محلياً بطابع دوليّ.

في أوائل شهر ماي من كل سنة، تحتفي”قلعة مكونة” بمهرجانها السنوي للورود، هذا الموسم الذي اكتسب شهرة عالمية مع مرور السنوات، ويستمر عدة أيام بعد استقبال الضيوف و إلقاء كلمات الافتتاح. يتم تقديم البرنامج الكامل للدورة كل سنة، كما يتم توقيع مجموعة من الكتب لكتاب محليين، وعرض أفلام وثائقية حول الورود، مباشرة بعدها يتم افتتاح معرض الورود ومعرض للمنتوجات التقليدية المحلية، وفي الفترة المسائية يكون للجمهور موعد مع الملتقى العلمي للمهرجان يناقش فيه الحضور مواضيع تتعلق بالورد وندوات علمية و أكاديمية للاستفادة من تجارب الدول المنتجة للورد، وبعدها مباشرة يتم افتتاح فقرات وأنشطة كثيرة على هامش الدورة كل سنة مثل الفروسية والعدو الريفي ومسابقة جائزة الفلاح، ويتم عرض المنتوجات المحلية المتنوعة من مستخلصات الورود التي تشكل أحد أهم الركائز الاقتصادية للمنطقة، وتشمل الشامبو والصابون والكريم والعطور، بالإضافة إلى أمسيات شعرية، كما يتم إحياء السهرات الفنية بحضور جمهور غفير و تعرف مشاركة بعض الفنانين المعروفين في المغرب وفرق محلية، ثم يتم اختيار ملكة جمال الورود إذ تتقدم فتيات يشترط انحدارهن من المنطقة ذاتها للترشح للفوز بلقب الملكة، وتختار من تضافر فيها الجمال الخارجي مع الفطنة والمعرفة بتاريخ المنطقة وتقاليدها.