دانيال إلسبرغ هو محلل سابق للجيش الأمريكي ومعارض حرب فيتنام، أصبح اسمه مرادفاً لأهمية الحريات الصحفية الممنوحة بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي بعد أن سرب تقريراً سرياً عن حرب فيتنام يعرف باسم (أوراق البنتاغون) للصحفيين، وساعد عمل إلسبرغ هذا في التبليغ عن المخالفات والفشل الذي كان في إستراتيجيات الحكومة في الحرب في نيويورك تايمز وواشنطن بوست وأكثر من اثنتي عشرة صحيفة أخرى، وقد قامت هوليوود بعمل قصته في أفلام مثل “ذا بوست” و “البنتاغون” “و” الرجل الأكثر خطورة في أمريكا”.

حياة دانيال إلسبرغ المبكرة

وُلد إلسبرغ في شيكاغو في ولاية إلينوي، في 7 أبريل سنة 1931، كان والداه من اليهود الأشكناز الذين اعتنقوا العلوم المسيحية، وترعرع كعالم مسيحي، نشأ وترعرع في ديترويت وحضر مدرسة كرانبروك في بلومفيلد هيلز القريبة، وأرادت والدته له أن يكون عازف بيانو، لكنه توقف عن لعب البيانو في يوليو 1946، بعد أن قُتلت كل من والدته وشقيقته عندما نام والده أثناء القيادة وتحطمت سيارة العائلة في جدار مجرى مائي.

دخل السبرغ كلية هارفارد بمنحة دراسية، وتخرج بامتياز مع مرتبة الشرف في الاقتصاد في عام 1952، درس في جامعة كامبريدج لمدة عام من خلال منحة وودرو ويلسون، ثم عاد إلى جامعة هارفارد لكلية الدراسات العليا، في عام 1954 انضم إلى سلاح مشاة البحرية الأمريكي وحصل على عمولة، وشغل منصب قائد في فرقة مشاة البحرية الثانية، وخرج من الخدمة عام 1957 كملازم أول، عاد إلسبرغ إلى جامعة هارفارد كزميل مبتدئ في مجتمع الزملاء لمدة عامين.

البداية المهنية وحصول دانيال إلسبرغ على الدكتوراه

بدأ إلسبرغ العمل كمحلل استراتيجي في مؤسسة RAND بشكل جزئي في صيف عام 1958 ثم بشكل دائم في عام 1959، وركز على الاستراتيجية النووية وعلى قيادة الأسلحة النووية والسيطرة عليها.

أكمل إلسبرغ درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد في عام 1962، استندت أطروحته في الدكتوراه حول نظرية القرار على مجموعة من تجارب الفكر التي أظهرت أن القرارات في ظل ظروف من عدم اليقين أو الغموض قد لا تتفق عموماً مع الاحتمالات الذاتية المحددة جيداً، وتعرف هذه الأطروحة الآن باسم مفارقة السبرغ.

عمل إلسبرغ في البنتاغون من أغسطس 1964 [6]، في عهد وزير الدفاع روبرت ماكنمارا كمساعد خاص لمساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي جون ماكنوتون، في هذه المرحلة من تصعيد ليندون جونسون إلى حرب فيتنام، واكتشف إلسبرغ لاحقاً الأكاذيب والتستر اللاحق على الهجمات التي لم تحدث على السفينة الأمريكية في مادوكس في خليج تونكين في فيتنام من قبل فيتنام الشمالية، التي أدت إلى غاراتنا التي لا مبرر لها على شمال فيتنام يومي 2 و4 أغسطس 1964، بأوامر من الرئيس ليندون جونسون.

جاء هذا الهجوم غير المبرر على فيتنام الشمالية مباشرة في أعقاب بيان حملة السناتور باري جولد ووتر، حيث صرح أن جونسون كان راغباً في دخول الشيوعية إلى الحرب، حيث كانت حيلة ليندون جونسون السياسية ستجلب الجيش الصيني مباشرة إلى هذه الحرب.

ذهب إلسبرغ إلى جنوب فيتنام لمدة عامين، حيث عمل مع الجنرال إدوارد لانسديل كعضو في وزارة الخارجية، لدى عودته من جنوب فيتنام، واستأنف إلسبرغ العمل في راند، في عام 1967 ساهم في دراسة سرية للغاية لوثائق سرية حول سير حرب فيتنام بتكليف من وزير الدفاع ماكنمارا، وأصبحت هذه المستندات التي تم الانتهاء منها في عام 1968 معروفة فيما بعد باسم أوراق البنتاغون.

من خلال دراسة هذه المجموعة من سجلات الحكومة الأمريكية، توصل إلسبرغ إلى فهم حقيقة حرب فيتنام التي لم تكن ” حرب أهلية ” بعد 1955 أو 1960 أكثر مما كانت محاولة فرنسية مدعومة من الولايات المتحدة لإعادة الاستعمار، هذه الحرب التي تم فيها تجهيز جانب واحد بالكامل ودفعه من قبل قوة أجنبية، والتي كانت تسير النظام في فيتنام لمصلحتها الخاصة، لم تكن حرباً أهلية، ولا يمكننا القول أنها قد تدخل في حرب أهلية حقًا، كما يفعل معظم الكتاب الأكاديميين الأمريكيين وحتى النقاد الليبراليين في الحرب حتى يومنا هذا، فيما يتعلق بميثاق الأمم المتحدة، كانت هذه الحرب عدوان أجنبي، وبالتحديد عدوان أمريكي.

أوراق البنتاغون

في أواخر عام 1969، بمساعدة من زميله السابق في شركة RAND أنتوني روسو، قام إلسبرغ سراً بالحصول على مجموعات من النسخ المصورة للوثائق السرية التي تمكن من الوصول إليها، هذه فيما بعد أصبحت معروفة باسم أوراق البنتاغون، لقد كشف إلسبرغ أنه في وقت مبكر، كانت الحكومة على علم بأن الحرب في ذلك الوقت وبهذه الموارد لا يمكن كسبها على الأرجح، علاوة على ذلك كمحرر لصحيفة نيويورك تايمز أثبتت إلسبرغ من خلال هذه الوثائق ومن أمور أخرى، أن إدارة جونسون قد كذبت بشكل منهجي، ليس فقط على الجمهور ولكن أيضا على لكونجرس.

نشر أوراق البنتاغون

طوال عام 1970، حاول إلسبرغ سراً إقناع عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المتعاطفين برلأيه من بينهم ج. وليام فولبرايت رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وجورج ماكغفرن أحد المعارضين الرئيسيين للحرب، بإصدار الأوراق الخاصة بذلك الأمر في قاعة مجلس الشيوخ، وذلك لأنه لا يمكن مقاضاة عضو مجلس الشيوخ عن أي شيء قاله في الجلسة أمام مجلس الشيوخ.

راجع إلسبربعض نسخ الوثائق بالتداول على انفراد، وأنضم له في ذلك مجموعة من العلماء في معهد دراسات السياسات (IPS)، كما شارك إلسبرغ الوثائق مع مراسلة النيويورك تايمز نيل شيهان، التي كتبت قصة بناءً على ما تلقته مباشرة من إلسبرغ ومن جهات اتصال في (IPS).

في يوم الأحد 13 يونيو 1971، نشرت التايمز أول مجموعة من المقتطفات التسعة من مجموعة الصفحات التي يبلغ عددها 7000 وتعليقات عليها، لمدة 15 يوماً، مُنعت التايمز من نشر مقالاتها بأمر من المحكمة طلبته إدارة نيكسون، في هذه الأثناء بينما كان بعيداً عن مطاردة مكتب التحقيقات الفيدر لمدة ثلاثة عشر يوماً ، سرب إلسبرغ الوثائق إلى الواشنطن بوست.

في 30 يونيو أمرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بالاستئناف الحر للنشر من قبل صحيفة التايمز، قبل يومين من قرار المحكمة العليا، اعترف إلسبرغ علانية بدوره في إطلاق أوراق البنتاغون للصحافة.

في 29 يونيو 1971، أدخل السيناتور الأمريكي مايك غرافيل من ألاسكا 4100 صفحة من الأوراق في سجلت لجنته الفرعية المعنية بالمباني والأراضي العامة، وهي الصفحات التي تلقاها من إلسبرغ عبر بن باغدايكيان محرر في الواشنطن بوست.

تداعيات الموقف بقضية نشر أوراق البنتاغون

الإفراج عن هذه الأوراق سبب حرجاً سياسياً ليس فقط لأولئك الذين يشاركون في إدارات كينيدي وجونسون، ولكن أيضاً لإدارة نيكسون الحالي، أصدر جون ميتشل النائب العام لنيكسون، على الفور برقية إلى التايمز يأمر فيها بوقف النشر، إلا أن التايمز رفضت، مما جعل الحكومة ترفع دعوى ضدها.

على الرغم من أن صحيفة التايمز قد ربحت القضية في النهاية أمام المحكمة العليا، إلا أن محكمة استئناف أمرت صحيفة التايمز بوقف نشر الأوراق بشكل مؤقت، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها الحكومة الفيدرالية من كبح جماح نشر صحيفة كبرى منذ رئاسة أبراهام لنكولن خلال الحرب الأهلية الأمريكية، لم يتوقف إلسبرغ فقد أصدر أوراق البنتاغون لسبعة عشر صحيفة أخرى في تتابع سريع.

تم توجيه الاتهام إلى سبيرغ بموجب قانون التجسس، وكانت التهم الموجهة ضده تؤدي إلى السجن لمدة تصل إلى 115 عاماً، استمرت محاكمة إلسبيرج، التي بدأت في يناير 1973، لأربعة أشهر وانتهت بإلغاء جميع التهم بعد ظهور أدلة على سوء سلوك حكومي جسيم، حينما قامت الحكومة بتأجير فرقة لاقتحام منزلة لسرقة الأوراق التي لديه.