يتعرف الإنسان على الكثير من الأشخاص والأصدقاء مع مرور الوقت ، منهم من يبقى على علاقة معه ومنهم من تنتهي علاقته معه بعد مرور فترة معينة ، ولكن القليل من بقي الصديق والصاحب طول العمر ، لان الصداقة لها شروط ومواصفات معينة لا يمكن أن تنطبق على أي شخص .

أهمية الأخوة والمصاحبة

لا يوجد إنسان يستطيع الاستغناء عن اصدقائه وأصحابه او اخلائه ، فالصداقة معروفة منذ قديم الزمان وكتب عنها الكثير من الشعراء وأصحاب الأقلام ، وقيل الكثير عن أهمية الصداقة واختيار الصديق ، فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” ، ومن أقوال القدماء أن الصاحب ساحب .

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. فكل قرين بالمقارن يقتدي

والصحبة تأثيرها ممتد في الآخرة وليس في الدنيا فقط ، قال تعالى عن الصحبة الصالحة : {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} .. اما عن الصحبة السيئة قال تعالى : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا}. ولذلك فيجب على كل إنسان عاقل أن يعرف كيف يختار الصديق والصاحب الصالح الذي يأخذه الى الطريق الحق.

كيفية اختيار الصاحب الصالح

قبل البدء في تحديد شروط اختيار الصديق الصالح ، يجب أولا تحديد الهدف من اختيار هذا الصديق ، وقد تم تقسيم الأصدقاء  ـ كما قال المأمون: “الإخوان على ثلاث طبقات: فإخوان كالغذاء لا يستغنى عنهم أبدا، وهم إخوان الصّفاء، وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات، وهم الفقهاء، وإخوان كالدّاء لا يحتاج إليهم أبدا، وهم أهل الملق والنفاق لا خير فيهم”.

وحسب الهدف من الصديق يتم تحديد أسس اختيار ، صاحب المرح ليس مثل صاحب السفر وصاحب الدنيا ليس كصاحب الآخرة  وزميل الدراسة ليس كزميل العمل، وصاحب السعة ليس كمن يعد لوقت الحاجة والضيق.

المقومات الأساسية لاختيار الصديق

حسن الدين

وقد قيل في الحديث الشريف الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري أنه سمع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي].

فيجب ان يكون الصديق متدين ، تقي نقي ، لان الصاحب غير النقي يساعد على خلل الدين  ، والوقوع في الشبهات والمحظورات ، وتنقص المروءة، ولا تخلو عن فساد بمتابعة فعل، أو الابتعاد منكر، لان الصاحب يكون شبيه صاحبه للتشبه فإن الطباع سراقة والجبلة تحمل على التأسي والاقتداء  وهذا معروف بالتأكيد  .. حيث قيل : “ما شيء أسرع من فساد رجل وصلاحه من صاحبه، ويظن بالمرء ما يظن بقرينه”.

وقال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. .. فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم .. .. ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

والمؤمن يزينك ولا يشينك، وينصحك ولا يخدعك، ويصارحك ولا يداهنك، وينصرك ولا يخذلك، ويخشى على دينك كما يخشى على دين نفسه، ويحب لك ما يحب لنفسه، فصاحب الدين عدة عند البلاء، وزينة عند الرخاء، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

حسن العقل

لان العقل الحكيم يؤدي إلى الأمور الطيبة الصحيحة ،  ومعاداة شخص عاقل افضل من مصادقة الأحمق، فإنه من حمقه .. ربما أراد نفعا فأضر.. قال علي: لا تصحب الأحمق فإنه يجهد نفسه لك ولا ينفعك، وربما ضرك من حيث أراد نفعك، سكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. ولذلك يجب تجنب مصاحبة او حتى معاداة الشخص الأحمق.

قال بعض الشعراء:

المرء يجمع والزمان يفرق .. .. ويظل يرقع والخطوب تمزق
ولأن يعادي عاقلا خير له .. .. من أن يكون له صديق أحمق
فاربأ بنفسك أن تصاحب أحمقا ..إن الصديق على الصديق مصدق

الصدق

والمقصود به الصدق في المحبة والمودة والصدق في الحديث ، حيث ان الصديق الصادق هو الذي يستمر ويدوم طوال العمر أما الصديق الكاذب فيكون مثل السراب الذي يلمع ولكنه لا ينفع بشئ  يقرب البعيد، ويبعد القريب..وقد كره الكثير من الكتاب والشعراء سلوك الكذب.

وقد خطب أبو بكر يوما فقال: “ألا إن الصدق والبر في الجنة، ألا إن الكذب والفجور في النار”… كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا].

الإنصاف

يعتبر الإنصاف من أجمل صفات البشر واندرها في الوجود ، بالرغم من شدة الحاجة إليها وأهميتها ، ولكنه شرط الصحبة الطيبة  ، لأن الإنصاف هو العدل في حالة الاختلاف او الائتلاف … وقد روى البزار عن نبينا المختار: [ثلاث من الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم، والإنصاف من نفسه]. وهذا أعز الإنصاف.. قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا}.

والشخص المنصف لا يكذب او يداهن ، ولت يظلم في الحكم إذا أبغض أو خالف ولا يفجر في خصومته . وأما غير المنصف فكما قال الشاعر:

وإخوان حسبتهم دروعا .. فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات .. فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب .. لقد صدقوا ولكن عن ودادي.

الرغبة في الصحبة

يجب ان يكون الصاحب محب لهذه المصاحبة والمصادقة وصادقا فيها ، لان طلب الود عند من لا ود له يعتبر طعن في العقل ،   ومحبة من لا يحبك حماقة .

حسن الخلق

ويقصد بها مكارم الأخلاق بصفة عامة ، حيث يجب أن يكون الصديق مرضيا في أفعاله محمودا في أخلاقه محبا للخير وكارها للشر وناهيا عنه ، لأن ومصاحبة الشرير تزيد الأعداء وتفسد الأخلاق ،  والمودة التي تورث المذمة وتجلب العداوة لاخير فيها .

قال ابن المعتز: إخوان الشر كشجر النارنج يحرق بعضها بعضا.. وقال غيره: صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خير الاختيار صحبة الأخيار، ومن شر الاختيار صحبة الأشرار، ولا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له واصطناع المعروف عند من لا شكر له.
احــذر مودة مـــاذق …. شاب المرارة بالحلاوة
يحصي الذنوب عليك أيـ .. ـام الصداقة للعداوة

المشاكلة والموافقة

يجب أن يصاحب الإنسان من يشابهه ويماثله ، فإن التجانس هو أساس الائتلاف و الإخاء ، حيث يزيد بزيادته وينقص بنقصانه ـ عن عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: [الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف].

الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب، إن لم تكن منه شانته.
وما صاحب الإنسان إلا كرقعة .. على ثوبه فليتخذها مشاكلا

وقيل أيضا:

ولا يصحب الإنسان إلا نظيره .. وإن لم يكونا من قبيل ولا بلد