تعد الحضارة العربية الإسلامية واحدة من الحضارات الكبرى العظيمة في العالم ، ويقاس مدى تقدم الحضارة بوجود العلماء في شتى المجالات فقد استطاعت الحضارة الإسلامية أن تكون حلقة الوصل بين جميع حضارات العالم القديم والحضارة الحديثة وقدمت إسهامات علمية واضحة في مجالات الطب والهندسة والفلك والعلوم والفيزياء والكيمياء والرياضيات ، وكذلك في مجال الفنون والعمارة ونتج عن كل ذلك الرقي الجلي أمامنا ، ولذلك سوف نلقي الضوء على واحد من أهم علماء الحضارة العربية وأكثرهم شهرة ابن سينا.

ابن سينا

ولد ابن سينا حوالي عام 980م لعائلة علمية بالقرب من بخارى وهي الآن في أوزبكستان ، وبحلول سن العاشرة اتم حفظ القرآن الكريم ، وفي السنوات التالية لذلك واصل التفكير في معاني القرآن الكريم ودراسة الفقه الإسلامي ، وبدأ في دراسة المنطق وقراءة أعمال الفلاسفة اليونانيين وعلماء الرياضيات والفلاسفة ، أولاً تحت معلم ثم من تلقاء نفسه ، وفي عمر السادسة عشرة ، أولى ابن سينا اهتمامه بالطب ، وكان يستغل كل فرصة للملاحظة المباشرة ، وقبل أن يبلغ العشرين من عمره ، تعهد بمعالجة سلطان بخارى المريض ، والذي فشل الأطباء في تشخيص مرضه أو علاجه ، ونجح ابن سينا ، ولم يكن العلم وقتها يعرف ما هو التشخيص أو العلاج ، ولكن السلطان شفى من المرض ، وبامتنانه له فتح المكتبة الملكية لابن سينا ، الذي كان سعيدًا للوصول إلى العديد من الأعمال الجديدة للعلوم والفلسفة .

اهتمامات ابن سينا

بعد ذلك بفترة وجيزة بدأ ابن سينا ​​في كتابة الكتب التي تحدد طبيعة الكون ، وشمل ذلك استكشافات نظرية واسعة للفلسفة واللاهوت والميتافيزيقا ، وملاحظات حول علم الفلك والرياضيات والموسيقى والشعر ، وتقديم المشورة العملية في السياسة ، وإدارة الحكم  والأخلاقيات الشخصية ، والطب ، ويسعى كتابه “العلاج” إلى جمع فروع المعرفة المختلفة معًا وإظهار علاقتها مع بعضها البعض  .

في حين أن العديد من أعماله الأخرى تركز على فروع محددة من المعرفة التي جذبت فضوله واسع النطاق ، رأى ابن سينا ​​أن كل المعرفة مرتبطة بالضرورة ولا يوجد تمييز واضح بينها ، ولاحظ أن “كل علم ، له جانب نظري وعملي” ، وأضاف “لقد ثبت في العلوم أنه لا يتم اكتساب المعرفة إلا من خلال دراسة أسبابها وبداياتها ، إذا كان لها أسباب وبدايات ولم تكتمل إلا بمعرفة حوادثها والمرافق الأساسية لها ، وكانت هذه النظرة الشاملة مهمة بشكل خاص في نظرية وممارسة ابن سينا ​​للطب .

القانون في الطب

يشتهر ابن سينا اليوم بكتابة القانون في الطب ، وهو دليل شامل للعلاج الطبي في هذا الكتاب ، كتب عن الأطباء القدامى الصينيين والفارسيين واليونانيين الذين قرأ أعمالهم ، وعن أوجه التشابه الأساسية التي خضعت لمقارباتهم المختلفة في الطب. لقد أدرك أيضًا أن المؤلفين الكلاسيكيين لم يعرفوا كل ما هو ضروري ، وأن المعرفة الطبية لا يزال أمامها طريق طويل .

لذلك تضمن كتاب ابن سينا سجلاً مفصلاً لملاحظاته الطبية الخاصة ، وقدم عدد من النصائح إلى الأطباء الآخرين حول كيفية تسجيل وتقييم ملاحظاتهم الخاصة ، ولقد كتب عن أهمية العلاجات الدوائية بجرعة منخفضة وزيادة الجرعة تدريجياً ؛ كما كتب عن نوع النتائج المطلوبة من أجل التأكد الآثار الجانبية لأي دواء  ، وصف عدد من المؤرخون ابن سينا بأنه أول من استخدم المنهج العلمي في الطب ، وكان لديه نظرة متفائلة للغاية بشأن ما يمكن أن تشمله المعرفة الطبية في النهاية : كتب قائلاً : “لا توجد أمراض غير قابلة للشفاء بل نقص في الإرادة ” وقال أيضًا لا توجد أعشاب عديمة الفائدة  ولكن يوجد قلة معرفة بفوائدها “.

انجازات ابن سينا في الطب

وقد أولى ابن سينا اهتمامًا كبيرًا عن حالات طبية معينة مثل مرض السكري ، كما أكد أيضًا على أهمية فهم الصحة العقلية والبدنية للمريض كله ، وكتب  قائلًا : ” الطب هو العلم الذي نتعلم من خلاله الحالات المختلفة لجسم الإنسان في الصحة وفي المرض والوسائل التي من المحتمل أن تفقدنا الصحة  وعند فقدانها “

وأدرك أن مرض منطقة واحدة قد يكون سببه الحقيقي مرض مناطق أخرى في جسم المريض، مثلًا أن مشاكل المسالك البولية الظاهرة قد تنجم عن التهابات الدم أو الاضطرابات النفسية ، ولفت انتباهه إلى طرق الوقاية من الأمراض وكذلك علاجها ، مع التركيز على النظام الغذائي والعوامل البيئية ، ودرس كيفية انتشار الأمراض المعدية ، ليس فقط من خلال الاتصال المباشر بين الناس ولكن أيضا من خلال تلوث التربة والمياه .

أثر ابن سينا

تم دراسة كتابات ابن سينا الفلسفية وكذلك كتاب القانون في الطب وزادت شهرته بعد ترجمة كتاب القانون إلى اللغة اللاتينية في القرن الحادي عشر الميلادي ، وأصبح مرجعًا قيمًا للطب تم طباعته وتنقيحه عام 1400م ولايزال يُدرس في كبرى الجامعات العالمية إلى اليوم .