بحلول منتصف القرن العشرين ، شهد العالم العديد من الثورات ، فكان للمكسيك واحدة في عام 1910م ، والصين بعد ذلك بسنوات قليلة ، ثم روسيا في عام 1917م ، وألمانيا بعد ذلك مباشرة ، وغيرها من الثورات.

كان لثقة الناس في فهمهم المعنى الحقيقي للثورة ، هو العامل المحرك لهم ضد القمع والظلم ، وضد الارستقراطية قمعية ، وضد القمع العسكري ، وقد كانت مفاجأة هائلة حينها عندما اندلعت الثورة في إيران في عام 1979م ، وأطاحت بإمبراطورية فارسية قديمة ، في حين كانت الأمة تعاني بالكاد من أي شروط مسبقة للثورة ، لذا لابدَّ من الوقوف على أهم معلومات عن الثورة الإيرانية ، من أسباب وخلفيات تاريخية ، وعوامل هامة أدت إلى اندلاعها كالتالي.

دخول إيران في الحرب الباردة

قبل الذهاب للتحدث عن الثورة الإيرانية نفسها ، لابدَّ بإلقاء نظره على العوامل والصراعات العالمية ، التي أحاطت الثورة في ذلك الوقت ، فقد كان هناك كانت توقعات لتلك الثورة ، منذ الخمسينيات وحتى عام 1991م تقريبًا.

حيث كان الصراع العالمي بين مناطق النفوذ الرأسمالية والشيوعية ، في أعلى مراحله وتلك الفترة سميت بفترة الحرب الباردة ، وكما سعى الاتحاد السوفياتي لتوسيع الشيوعية في جميع أنحاء العالم ، إضافة لتأثيرها العالمي ، فقد فعلت أمريكا وأوروبا الغربية الشيء نفسه مع الرأسمالية.

وطوال الحرب الباردة ، أصبحت الثورات رموزًا قوية ، فإذا أطاحت أمة بحكومة رأسمالية ، وأنشأت حكومة شيوعية ، فكان هذا نصرًا للاتحاد السوفيتي في إظهار أن الشيوعية كانت متفوقة على الرأسمالية ، وكانت الفكرة نفسها صحيحة بالنسبة للثورات القائمة على الرأسمالية.

لذلك وضعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، الكثير من الوقت والمال في تمويل الثورات سرًا لإسقاط الحكومات ، أو لتأمين الحكومات من الإطاحة بها.

اندلاع الثورة الإيرانية

تدفق الإيرانيون في كل شوارع طهران ، وهم يهتفون الموت للشاة “Marg bar Shah” أو الموت لأمريكا ، واتحد الإيرانيون من أبناء الطبقة الوسطى مع طلاب الجامعات اليسارية ، ومؤيدو الإسلاميين لأية الله الخميني للمطالبة بالإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي ، من أكتوبر 1977م إلى فبراير 1979م حيث دعا الشعب الإيراني لنهاية الحكم الملكي ، ولكنهم لم يتفقوا بالضرورة على ما ينبغي استبداله به.    [1]

الخليفة التاريخية للثورة الإيرانية

في عام 1953م ، ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الإطاحة برئيس وزراء منتخب ديمقراطيًا في إيران ، وإعادة الشاه إلى عرشه ، وكان الشاه مُعَدِّدًا في العديد من النواحي ، حيث كان يُروِّج لنمو الاقتصاد الحديث والطبقة الوسطى ، ويدافع عن حقوق المرأة ، ومنع الحجاب ، وشجع تعليم النساء حتى في الجامعة ، وأيد عمل النساء خارج المنزل ، ومع ذلك قام الشاه بقمع المعارضة وسجن خصومه السياسيين وتعذيبهم ، وأصبحت إيران في عهده قبضة من حديد “دولة بوليسية “، وكانت الشرطة السرية منتشرة في كل مكان ، وبجانب ذلك أثارت إصلاحات الشاه وخاصة المتعلقة بحقوق النساء ، غضب رجال الدين الشيعة وعلى رأسهم آية الله الخميني ، الذي فر من العراق لفرنسا عام 1964م.

وكانت الولايات المتحدة عازمة على وجود الشاه في مكانه كحصن لها ضد الاتحاد السوفيتي في المنطقة ، بسبب وجود حدود لإيران مع جمهورية تركمانستان السوفييتية سابقًا ، وكان يُنظر إلى إيران باعتبارها هدف محتمل للتوسع الشيوعي ، ونتيجة لذلك تم اعتبار معارضو الشاه معارضين لأمريكا. [2]

بداية الثورة الإيرانية

خلال عقد السبعينيات من القرن المنصرم ، جنت إيران أرباح هائلة من تجارة النفط ، واتسعت الفجوة بين الأغنياء الذي كان العديد منهم أقارب الشاه ، وبين الفقراء ، وتسبب الركود الذي حدث من بداية عام 1975م ، لزيادة التوتر الحادث في المجتمع الإيراني ، وانتشرت الاحتجاجات والمظاهرات في كل أنحاء البلاد ، وفي أكتوبر عام 1977م توفي ابن مصطفي خميني ، البالغ من العمر 47 عامًا نتيجة لأزمة قلبية وانتشر الشائعات أنه تم قتله من قبل قوات الشرطة السرية ، وسرعان ما تدفق آلاف المتظاهرين في كل شوارع المدن الكبرى في إيران ، وكان ذلك في وقت كان الشاه مريض بالسرطان ونادرًا ما كان يظهر في الأماكن العامة.

وفي سوء تقدير في شهر يناير عام 1978م نشر مقال في الصحيفة الرئيسية ، يقذف فيها آيه الله الخميني ويقول أنه أداة للمصالح الاستعمارية البريطانية وأنه رجل بلا إيمان ، وفي اليوم التالي هبت طلاب العلوم الإسلامية في مدينة قم ، باحتجاجات واسعة ، وقامت قوات الأمن بالتعامل مع المتظاهرين وقتلت ما لا يقل عن 70 طالب على مدار يومين ، وحتى تلك اللحظة كان المتظاهرون العلمانيون والدينيون متقاربين بشكل متساوٍ ، ولكن بعد مذبحة قم ، قادت المعارضة الدينية حركة مناهضة للشاه.

وفي شهر فبراير سافر عدد من الشباب لتبريز للتذكير بذكرى الطلاب الذين قتلوا ، وحولت المسيرة لأعمال شغب وحطم المتظاهرون المباني والبنوك وانتشرت الاحتجاجات العنيفة ، وواجهت قوات الأمن الأعمال بعنف متزايد ، وهاجم المتظاهرون دور السينما والبنوك ومراكز الشرطة والنوادي الليلية ، وبدأ قوات الجيش الذين تم إرسالهم لقمع المتظاهرين بأخذ صف المتظاهرين ، ورفع المتظاهرون صورة آية الله الخميني وبدؤوا في قول نداءات للإطاحة بالشاه. [3]

الإطاحة بالشاه رضا بهلوي

وفي شهر أغسطس اشتعلت النيران في سينما ريكس في عبدان وتم حرقتها ، وقتل نحو 400 شخص وبدأت المعارضة في إطلاق شائعة أن الشرطة السرية هي التي شرعت في إطلاق النار وليس المحتجون الإسلاميون ، وتصاعد الأمر، وزاد الأمر سوء يوم الجمعة السوداء الموافق 8 سبتمبر ، حيث خرج آلاف من المتظاهرين السلميين لميدان جاليه في طهران ، ضد إعلان الشاه للأحكام العرفية وردت قوات الشاه بهجوم عسكري شامل باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر وعدد من القوات البرية ، ومات 88 فرد من 300 فرد وزعمت المعارضة أن عدد القتلى بالآلاف ، وهزت الإضرابات الواسعة البلاد وأغلقت المصالح الحكومية والشركات الخاصة وتوقفت تجارة النفط الحيوية.

وفي الخامس من نوفمبر طرد الشاه رئيس الحكومة المعتدل ، ووضع مكانه حكومة عسكرية بقيادة الجنرال غلام رضا أزهري وألقى الشاه خطابًا عامًا قال فيه ، أنه سمع الرسالة الثورية من الشعب وقام بإطلاق سراح 1000 سجين سياسي ، وأمر بالقبض على 132 مسئول حكومي سابق بما في ذلك رئيس الشرطة السرية المكروه ، مما هدأ من وطأة الإضراب بشكل مؤقت ولكن بعد أسابيع استأنفت الأنشطة الثورية من جديد.

وفي يوم 11 ديسمبر عام 1978م خرج أكثر من مليون متظاهر سلمي في طهران ومدن كبرى ، لتلبية دعوة الخميني ليكون قائد إيران الجديد وأطلق الشاه سراح كل السجناء السياسيين ، وأعتقد الأمريكيون أن حلفهم في إيران لم يعد له غير أيام قليلة في السلطة. [4]

سقوط الشاه الإيراني

في يوم 16 يناير لعام 1979م خرج الشاه وزوجته لقضاء عطلة خارج إيران ، وقت انطلاق طائراتهم ابتهجت الحشود في الشوارع وملئت المدن الإيرانية ، وبدأت في تكسير تماثيل الشاه وصور عائلته في كل مكان ، وحرر رئيس الوزراء شابور بختيار السجناء وأمر بالوقوف مع الجيش في وجه المظاهرات ، وإلغاء الشرطة السرية وسمح لأيه الله الخميني بالعودة إلى إيران ودعا إلى إجراء انتخابات حرة.

سافر الخميني إلى طهران قادمًا من باريس في فبراير عام 1979م ، ودخل البلاد بأمان ودعا الخميني بحل حكومة بختيار واندلع القتال بين الحرس الإمبراطوري الموالين للشاه والفصيل المؤيد للخميني من القوات الجوية الإيرانية ، وفي 11 فبراير انهارت القوات الموالية للشاه وأعلنت الثورة الإسلامية انتصارها .

المراجع
الوسوم
ايران