هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني. كان من المبكّرين بالإسلام، فكان سابع سبعة اعلنوا إسلامهم وتحمّل حظًّا عظيمًا من أذى المشركين. ربّاه وتبنّاه الاسود بن عبد يغوث لذلك يقال له المقداد بن الأسود.

إسلامه وجهاده في سبيل الله

كان المقداد رجلًا حسن الإسلام، وقد قال عنه الصّحابة أنّه “أوّل من عدا به فرسه في سبيل الله هو المقداد بن الأسود”. وبلغ به الأمر أن يقول فيه النّبي صلّى الله عليه وسلّم: “إن الله أمرني بحبّك وأنبأني أنّه يُحبّك”.

كان فيمن قال فيهم النّبيّ: عليكم بحبّ أربعة: عليّ، وأبي ذرّ، وسلمان، والمقداد.

وقد أبدى جسارته ورجاحة عقله وفصاحة لسانه في حادثة استشارة النّبي لأصحابه قبل غزوة بدر أثناء استعدادهم لملاقاة قريش، فمن بين قوليّ عمر وأبي بكر، قام المقداد وأدلى بكلمته الخالدة: يا رسول الله..امضِ لما أراكه الله فنحن معك. والله لا نقول ما قالت بنو إسرائيل لموسى:اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحقّ لو سِرتَ بنا إلى بّرك الغِماد لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه. فتبسّم النّبي وقال له خيرًا ودعا له.

وفي أثناء الغزوة، كان المقداد ثالث ثلاثة فرسان فقط لا غير في جيش المسلمين، وكان بقيّة الجيش من المشاة وركّاب الإبل.

ونقل عنه عليّ بن ابي طالب، وابن مسعود، وابن عبّاس وجبير بن نفير وابن أبي ليلى، وهمّام بن الحارث، وعبيد الله بن عديّ بن الخيار وآخرون .حديثه في الستة، له حديث في ” الصحيحين “. وانفرد له مسلم بأربعة أحاديث.

أخلاقه:

الزّهد والورع والحكمة

وكان من ورعه وميله للحقّ والإنصاف ونظره لنفسه نظرة العبد الذليل إلى الملك القيّوم أنّه لمّا ولّاه النّبي إحدى الإمارات سأله النّبي لمّا رجع عن كيف وجد الإمارة. فأجاب المقداد:” لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق النّاس، وهم جميعًا دوني.. والذي بعثك بالحقّ، لأتأمرّن على اثنين بعد اليوم قطّ”.

وكان من صور حكمته أنّه لا يحكم حكمه على الرّجل قطّ حتّى يصل للحظة مماته. فلا يظلمه ولا يجور عليه. وكان دائم ترديد حديث النّبي: إن السّعيد لمَن جُنِّب الفِتن.

وممّا ورد فيه أنّه كان جالسًا في جماعة من قومه، فمرّ رجل وقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رآتا رسول الله، لوددنا أنّا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت. فاقترب منه المقداد وقال: “ما يحمل أحدكم على أن يتمنّى مشهدًا غيّبه الله عنه، لا يدري لو شهدَه كيف كان يصير فيه؟ والله لقد عاصر رسول الله أقوامٌ كبّهم الله على مناخِرهم في جهنّم..ألا تحمدون الله الذي جنّبكم مثل بلائهم، وأخرجكم مؤمنين بربّكم وبنبيّكم؟

والله لقد بُعث النبيّ على أشدّ حال بُعث عليه نبيّ في فترة وجاهلية ، ما يرون دينًا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده، أو ولده، أو أخاه كافرًا وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، ليعلمَ أنّه قد هلك مّن دخل النّار، فلا تقرّ عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، وأنها للتي قال الله تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين”

العدل

خرج يومًا في سريّة حاصرهم فيها عدوّهم، وقد أصدر أمير السريّة أمرًا بألّا يرعى أحدٌ دابّته، فرعى أحد الذين لم يصلهم النّبأ دابّته، فعاقبه الأمير عقابًا لم يستحقّه. فجلس الرجل يبكي على الطّريق ويصيح، فمرّ عليه المقداد بن الأسود وقصّ عليه الرّجل ما وقع، فأخذه من يديه إلى الأمير وكشف له خطأه وقال: والآن اقِده من نّفسك، ومكّنه من القصاص. فرضيَ الأمير، غير أنّ الرجل عفا وصفح. فأثار هذا الموقف في نفس المقداد عظمة وقدر ذلك الدّين الذي منّ الله عليهم به، وقال: “لأموتنّ والإسلام عزيز”.

الكرم

قد قالت ابنته كريمة بنت المقداد أنّه قد أوصى للحسن والحسين بستّة وثلاثين ألفًا، وبسبعة آلاف درهم لكلٍ من أمّهات المؤمنين.

وفاته

توفّي المقداد بن الأسود في سنة 33 هجريًّا، ودُفن بالبقيع، وصلّى عليه عثمان بن عفّان، وقيل أنّه شرب دهن الخروع فمات رضي الله عنه.