قد تُتنج الصّدف غير المقصودة أهمّ الاختراعات على الإطلاق، وذلك الجهاز الذي يكاد يتواجد في كل بيت تقريبًا عُرِف بالأصل صدفةً. صدفة استطاعت تسهيل حيوات كثير من البشر لما يقارب الـ70 سنة. وهذا ما حدث مع العالم الفيزيائيّ المرموق بيرسي سبنسر.

نشأته

وُلِد بيرسي سبنسر في مقاطعة هولاند في الولايات الأميريكيّة، وتوفّي والده وهو في عمر الـثمانية أشهر، وتركته أمّه لعمّته وزوجها لرعايته. توفّي بعدها زوج عمتّه في سنّ السّبع سنوات، لذا اضطُر سبنسر إلى ترك المدرسة والتوجّه للعمل لكسب المال له ولعمّته. ظلّ الطفل يعمل طيلة أربع سنوات من عمر الثانية عشر وحتّى السادسة عشر منذ الشروق للغروب في معمل للمكبّات.

علِم سبنسر بأن معملًا لإنتاج الورق سيبدأ باستخدام الكهرباء، ولم يكن يعرفها الكثير حينها، فشغفه الامر واثار اهتمامه. ومن هنا بدأ في القراءة والتعلّم عن هذا الأمر، وقدّم للعمل في هذا المصنع وتمّ قبوله وهو بعد لم يحصل على شهادته الابتدائيّه فضلًا عن تعليم رسميّ في مجال الهندسة الكهربيّة.

وفي عمر الثامنة عشر، انضمّ سبنسر للبحريّة الاميريكيّة، وهناك صار خبيرًا في تقنيّات الرّاديو، وذلك من خلال تعلّمه الذاتي بالقراءة من المراجع. وقرأ أيضًا في التفاضل والتكامل والكيمياء والفيزياء وعلوم المثلثّات والتّعدين.

بداية اختراع المايكروويف

يبدأ الأمر أثناء الحرب العالمية الثانية ، عندما كان المهندس الإنجليزيّ بيرس سبنسر جالسًا في مقرّ عمله في شركة رايثون منهمكًا في صناعة أحد أجهزة الرّادر عام 1946م. كان ذلك عندما مدّ بيرسي يديه في جيب بنطاله وفوجيء بقطعة الحلوى في جيبه قد انصهرت تمامًا ولوّثت سرواله. قد تظنّ ذلك طبيعيًا نظرًا لارتفاع درجة الحرارة، لكنّ الغريب أن الغرفة كانت بالفعل باردة!

لاحظ سبنسر أنّه كان يقف طوال هذه المدّة بجوار صمام إلكتروني يعمل على تشغيل جهاز الرادار. فأراد أن يستوثق من الأمر فأرسل بإحضار كيس من بذور الذّرة، وأمسكها بقرب ذلك الصّمام. وسُرعان ما تأكّد ما ظنّ فيه، حيث تناثرت حبّات الذرة التي تحوّلت إلى فشار في أرضية الغرفة!

ولمزيد من التأكّد، أحضر غلّاية ماء وبيضًا إلى المعمل، واحدث ثقبًا في جانب الغلّاية ووضع بداخلها البيضة ووجّه ذلك الثقب في مواجهة الصّمام. لم يخِب ظنّه، فسرعان ما انفجرت البيضة بمحتوياتها (المطهيّة) لخارج الغلّاية.

عندها تيقّن أن السّبب فيما حدث هو موجات الرّادار. وعرض الفكرة بنتائج تجاربه على مسئولي شركة رايثون، وبالفعل بدأوا العمل على إنتاج أجهزة طهي تعمل بموجات الرّاديو القصيرة ” الميكروويف “. وفي عام 1953م، تم دفع أول فرن يعمل بالميكرويف في الأسواق الإنجليزية بوزن بلغ 350 كم باسم ” رادارينج” بسعر 3.000 دولار [ أي ما يقارب سعر منزل كبير آنذاك! ]، وكان حجمه بحجم ثلّاجة كبيرة وقد اقتصر استخدامه على الفنادق والمطاعم والقطارات..حتّى تطوّر إلى ذلك الحجم المعروف الآن، بأحجام وأسعار ومميّزات مختلفة حتّى صار بإمكان أغلب الطّبقة المتوسّطة جلبه ضمن مقتنيات المنزل.

فكرة عمل المايكرويف

يعمل الميكرويف من خلال إنتاج موجة تقدّر بـ 2.45 جيجا هيرتز، من شأنها تسخين الدّهون واللحوم والسّكريات والماء وذلك من خلال إكساب هذه المواد الغذائيّة طاقة ذبذبيّة عالية فتبدأ بالتّصادم مما يُنتج الطّاقة الحراريّة اللّازمة لعمليّة الطّهي والتّسخين.

تتمّ العمليّة عندما يمرّ التّيار الكهربايّ من مصدر الطّاقة للفرن، فيُتضاعف الفولت النّاتج، فيتوّلد ذبذبة موجيّة (كهرومغناطيسيّة) تمرّ خلال جزيئات الطّعام حتّى يتوقّف ويخرج الطّعام ساخنًا. والابواب البلاستيكيّة أو الرّخاميّة أو الزّجاجيّة لا تمتصّ الأشّعة علي عكس المواد المعدنيّة التي تعكسها وتنقلها.

تتسرّب تلك الأشعّة عندما لا يُغلق باب المايكرويف جيّدًا وقد يسبب ذلك مشاكل صحيّة عديدة أوّلها اضطراب ضربات القرب. وينبغي إبعاد الأطفال عن الميكرويف أثناء تشغيله.