شهدت روسيا نموًّا متسارعًا في السّياحة على الصّعيدين الدّاخليّ والخارجيّ منذ أواخر الحقبة السوفيتيّة، ويعود ذلك إلى التنوّع الطبيعيّ في الجغرافيا الواسعة لهذه الدولة والغنى الشعبيّ بالتراث الثقافيّ إلى جانب المعالم السياحيّة التاريخيّة والمقاصد الحديثة، كلّ ذلك جعل روسيا في المقدّمة مع الدول السياحيّة على الصعيد العالمي، وتشمل السّياحة في روسيا العديد من الرحلات البريّة والبحريّة في الأنهار الطويلة وعلى متن سكك القطار والجبال، وإلى جانب ذلك تقدّم المناطق المتنوّعة العديد من الأطعمة المختلفة لتقدّم للسّائحين تذوّق العديد من الألوان والأشكال على صعيد المأكولات، وفي المقال سيتمّ التركيز على واحد من أهم المعالم السّياحيّة في روسيا ألا وهو متحف الارميتاج.

أشهر المتاحف في روسيا

الذوق الفنّي في البلاد البيضاء في روسيا ينتشر في كلّ مكان من مدن هذه الدّولة الواسعة، وقد كانت بعض مدنها أكثر ميزة في إظهار هذا الفنّ عن المدن الأخرى، و تعدّ مدينة سانت بطرسبيرغ واحدة من أبرز وأهمّ الواجهات الثّقافيّة والفنيّة في روسيا وعلى مستوى العالم أيضًا، والحديث عن متحف الارميتاج يقتضي ذكر أهمّ المتاحف في روسيا ومدنها، فلكي يغمر المرء نفسه بتلك الفنون لا بدّ له من زيارة متحف الدّولة الروسيّ والذي يحوي على أكثر من أربعمئة ألف قطعة أثريّة يمتدّ وجودها من القرن العاشر وحتّى القرن الواحد والعشرين، ومتحف الارميتاج والذي سيتمّ ذكر العديد من التفاصيل التي تتعلّق بهذا المتحف فيما سيأتي، ومتحف إرارتا للفنّ المعاصر وهو يعدّ وافدًا جديدًا على مدينة سانت بطرسبيرغ الرّوسيّة.

ومن المتاحف المشهورة والمهمّة في روسيا أيضًا متحف فابريغيه والذي يعدّ موطن الأحجار الكريمة ذات القيمة الثّمينة والتصميمات المزخرفة، يحتوي متحف فابريغيه على خمسة عشر بيضة من بيوض زنابق الوادي والتي اشتهر بصنعها صائغٌ شهير يدعى بيتر كارل فابيريغيه، قام بصنعها لعائلة ملكيّة على مدار خمس عشرة عامًا، حيث طلب القيصر ألكسندر الثالث منه صنع هدية لزوجته في عيد الفصح المجيد، فما كان من بيتر فابريغيه إلّا وأن صنع البيضة المرصّعة بالمجوهرات، ولأنّها أبهرت القيصر وزوجته أصبحت صناعة البيضة عادة سنويّة في كل فصحٍ جديد، ومن المتاحف أيضًا متحف عائلة صمويلوف والذي يشتهر باللوحات الزيتيّة والبيض المرصّع بالجواهر وغيرها من المتاحف المهمّة في الدولة الرّوسيّة.

متف الارميتاج

متحف الارميتاج يكتب باللغة الإنكليزيّة Hermitage هو متحف فنيّ يقع في مدينة سانت بطرسبيرغ الرّوسيّة، اسمه في الكامل the State Hermitage Museum، تأسس المتحف عام أربعٍ وستّين وسبعمئة وألف للميلاديّة، وتمّ فتحه للجمهور عام اثنين وخمسين وثمانمئة وألف للميلاديّة، يحتوي المتحف على ما يقارب الثلاثة ملايين قطعة فنيّة أثريّة ومعاصرة جمعت منذ العصر الحجري حتّى القرن الواحد والعشرين، كما يحتوي على العديد من أغلى اللّوحات الفنيّة منذ العصور الوسطى ومجموعة من أعمال فناني عصر الباروك الهولنديّة و النهضة الإيطاليّة، كما يشمل على مجموعة أعمال من الفن الآسيويّ الخالص.

تاريخ الارميتاج

في عام 1764 قامت الملكة كاترين العظيمة بشراء العديد من اللوحات الفنيّة من التّاجر الألمانيّ تاجر برلين يوهان إرنست غوتسكوفسكي، والذي قام بتجميع ما يقارب الثلاثمئة لوحة فنيّة والتي ضمّت أعمال العديد من كبار الرسّامين في ذلك العصر مثل فان دايك و باولو فيرونيسي وفرانس هالس ورافائيل وهولباين وتيتيان ويان شتين وهندريك غولتزيوس وديرك فان بابورين وهندريك فان بالين وغيرهم من فناني ذلك العصر، حيث قدّم كلّ واحدٍ منهم عددًا معيّنًا من اللوحات الفنيّة الأكثر شهرة والتي كانت جزءًا من عملية الشراء الأصليّة للملكة العظيمة كاترين.

استمرّت بعد ذلك الملكة كاترين بجمع أفضل اللوحات وأكثرها شهرها في ذلك الزّمان حيث حصلت على أفضل المجموعات المعروضة للبيع من قبل ورثة هواة الجمع المتميّزين في هذا المجال، وفي عام 1769 قامت بشراء مجموعة من المطبوعات والرسوميّات من ولاية سكسونيا الألمانيّة، وبعد ذلك بثلاث سنوات اتّجهت من السوق الالماني إلى السوق الفرنسي لشراء عديد اللوحات بمساعدة دينيس ديديرو، وفي عام 1779 غيّرت مسارها إلى إنجلترا وتحديدًا لقطاف ثمار الفن اللندني حيث ابتاعت 198 لوحة كانت ملكًا لروبيرت والبول، وبعد ذلك قامت بشراء قرابة 119 لوحة من الكونت الفرنسي بودين.

واصلت الملكة كاترين استثمار جزء كبير من هوايتها كونها راعية للفنون في روسيا، وحقّقت النجاح الباهر في عالم الفن، حيث جمعت الآلاف من الرسوميّات والمطبوعات والتحف الفنيّة من جميع أنحاء أوروبا، ومن خلال مجموعتها الفنيّة الضخمة اكتسبت الملكة اعترافًا وقبولًا لدى الأوروبيّين، وصوّرت الدولة الرّوسيّة على أنّها مجتمع مستنير، وهو إنجاز عظيم تفخر به كاترين، وفي القرن الثامن عشر أثرى ألكسندر الأول المجموعة في المتحف من الإمبراطوريّة اليونانيّة، وفيما بعد ثورة 1917 في أكتوبر تمّ إعلان قصرين ملكيّين كمتاحف وطنيّة وتمّ دمجهما فيما بعد بمتحف الارميتاج.

أقسام متحف الارميتاج

متحف الارميتاج الروسي الحكومي يتكوّن خمس مباني مرتبطة ببعضها البعض، وهذه المباني الخمسة هي المتحف الشتوي والارميتاج القديم والارميتاج الصغير والارميتاج الجديد ومسرح الارميتاج، ويعدّ المتحف الشتوي أو ما يعرف بقصر الشتاء ضخمًا كغيره من المباني التي ارتبطت فيما بينها، ففي ظلّ هذه المساحة الضخمة والتنوّع بالمحتوى الفنيّ على جميع الأصعدة يتيح متحف الارميتاج للزائرين فرصة البقاء لساعات طويلة دون كللٍ أو ملل، وعند مدخل المتحف يستطيع السائح أو الزائر أن يلتقط كتيّب صغير يشرح تفاصيل كل مبنى من الارميتاج ويصف بدقّة ما يتمّ عرضه في كلّ قسم، وذلك لتوفير الجهد والوقت للسائحين في حال قصدوا قسمًا أو نوعًا معيّنًا من الفنّ، وعلى ما سلف ذكره عن المتحف فإنّها ستكون تجربة رائعة ورحلة طويلة ومثيرة للاهتمام بين جنبات هذا الصّرح العظيم في روسيا.