تُعتبر شخصية (عبد الكريم قاسم) من الشخصيات الراسخة فى ذهن العراقيين وذلك لقيامه بالإطاحة بالنظام الملكي – بالتعاون مع أعوانه من تنظيم الضباط الأحرار- و إعلان الجمهورية العراقية عام 1958 ، وبالرغم من ذلك فقد تم اعتبار شخصيته من أكثر الشخصيات إثارة للجدل حيث يذهب البعض إلى القول بأنه كان شخصية انتهازية تسعى فقط للإستيلاء على الحكم ، كما أنهم اتهموه بإرتكاب العديد من المجازر وإعدام الكثير من خصومه وجعل معظم المناصب فى أيدى أفراد أسرته و منحهم العديد من الصلاحيات ، وعلى العكس فالبعض الآخر يرى (عبد الكريم قاسم) شخصية نزيهة وبطولية ، وكان حريصاً على مصلحة الشعب وخدمته ، كما أنه عفى عن المتآمرين ضده.

عبد الكريم قاسم

و على كل حال نستطيع القول بأن الثورة التى قام بها هذا الرجل و أعوانه كانت بالفعل ذات تأثير قوي على العراق و حققت إنجازات هائلة ، فعلى الصعيد السياسى تمكّنت هذه الثوره من تفجير الوعى السياسى لدى الشعب العراقى ، كما أنها حافظت على إستقلال العراق وسيادتها وحررتها من أى سلطان خارجي وعززت من الهوية الوطنية العراقية ، وتم توقيع العديد من المعاهدات الثقافية و الاقتصادية والعسكرية مع الجمهورية العربية المتحدة ، وعلى الصعيد الإجتماعى قامت هذه الثوره بنشر التعليم و زيادة عدد المدارس و إصدار قانون الإصلاح الزراعى ، وعلى الصعيد الإقتصادى ألغت الإمتيازات البترولية فى الأراضى العراقية و عقدت إتفاقية تعاون إقتصادي مع الإتحاد السوفيتى و تم بناء ميناء تجارى عميق لتصدير النفط فى شمال الخليج.

على الرغم من النتائج المرضية و الهائلة لهذه الثورة والتى ذكرنا بعضاً منها ، إلا أن الزعيم (عبد الكريم قاسم) فشل فى تأسيس نظام ديمقراطى حقيقي فى العراق ، كما أنه لم يتمكن من حل القضية الكردية ، ولم يحقق الوحدة العربية ، وفى عام 1963 قام إنقلاب ضده و تم إعتقاله مع بعض معاونيه و إعدامه رمياً بالرصاص بعد محاكمة صورية لم تستمر سوى بضع دقائق.

عوامل تداعي حكومة عبد الكريم قاسم : 
– وجود تناقض فكري بين حكومة قاسم وتيارات الضباط الاحرار، فقد كانت ثورة 1958 يتزعمها كلاً من عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف ، وأختلفت أهداف التيارين ، فكان تيار قاسم يهدف لإبقاء الدولة بعيدة عن أى عمل وحدوى ، بينما كان تيار عبد السلام ينتمى للفكر العروبى الوحدوى ويسعى لتنفيذ مبادئ الميثاق الوطنى.
– أسلوب قاسم  الدكتاتورى فى الحكم الذى ظهر خاصةً بعد مضى عدة أشهر من إعلان الجمهورية ، فقام بإقصاء أعوانه من الضباط الأحرار وحاول القضاء على منافسيه وقتلهم.
– إكتساح الحزب الشيوعى العراقى و عدم السماح بوجود أحزاب اخرى ،حيث شارك الحزب الشيوعى قاسم بالسلطه ، وكان ذو نفوذ قوى وسيطرة كبيرة ، وأستغلت الميليشيات الشيوعية هذا النفوذ فى القيام بأبشع أعمال العنف للقضاء على معارضيهم.
– إصدار قاسم قانون الأحوال الشخصية الذى تلقّى الكثير من المعارضة من قِبَل المراجع الدينية المحافظة حيث كان ضد تعاليم الإسلام.
– تشكيل المحكمة العسكرية (محكمة المهداوي) والتى أصدرت العديد من الأحكام الظالمة واعدمت الكثيرين من مسؤولى النظام الملكي بدون وجه حق.
– إسناد العديد من المناصب فى الدولة إلى ضباط الجيش ، كما ركّز قاسم إهتمامه فقط على تطوير المؤسسه العسكرية وجعل جميع الأحكام فى الدولة يتم تطبيقها من خلال الحكومة العسكرية.
– تمييز قاسم لأفراد عائلته وأقربائه بمنحهم مناصب هامة و مساكن راقية ، فأصبح أقربائه يتمتعون بحياة مرفهة على حساب الفلاحين والفقراء.
– كان لقانون الإصلاح الزراعي الذى أصدره قاسم بعض المساوئ ، فقد إستغلّه فى إنتزاع الأراضى العقارية من مالكيها و توزيعها على الفلاحين وذلك لأن عائلته كانت تنتمى لهذه الفئة ،كما يعتقد الكثيرون أنه قام بذلك أيضاً لكى يضمن أن ينال دعم الفلاحين.
– عدم وجود برنامج سياسى منظم ، فقد كانت أنانية قاسم و إستفراده بالحكم ورغبته بإظهار نفسه في صورة الزعيم المناضل سبباً فى عدم تركيزه على القيام بأعمال منظمة ومدروسة بشكل جيد.
– حدوث أزمات هائلة فى سياسة العراق الخارجية من بينها أزمة العراق مع الكويت التى أعلنت أستقلالها عام 1961 ، فطالب قاسم بضمها إلى العراق ، ولكن تدخلت الجامعة العربية لحل هذه الأزمة ، وتبع ذلك قرار قاسم بسحب عضوية العراق من الجامعة العربية ، و قطع أغلب العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية.

سقوط الحكومة وإنتهاء حكم عبد الكريم قاسم :
ساء وضع البلاد فى ذلك الوقت وبدأ الجميع يغضب من سياسة قاسم الدكتاتورية المستبدة وعدم تنفيذه لوعوده التى تم الاتفاق عليها فى ميثاق العمل الوطنى للتنظيم ، فتحالفت التيارات المختلفة مع بعض الشخصيات العسكرية والمعارضين لسياسة قاسم ، وفى صباح 8 فبراير عام 1963 إشتعل الإنقلاب ، و حاصرت الدبابات مبنى وزارة الدفاع ، وهرب الكثير من الوزراء ، وفى النهاية القى القبض على قاسم ومن كان معه فى وزارة الدفاع وتم إصدار بيان عاجل بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة قاسم و أعوانه والتى لم تدم طويلاً ، فسرعان ما قاموا بإصدار الحكم بإعدامهم ، و تم تنفيذ حكم الإعدام فى 9 فبراير 1963.