لقد توصّلنا بفضل العديد من العلماء إلى مجموعة من القوانين التي تصف الحركة الواضحة للمجرات والنجوم والكواكب ، ولكن اتّضح لنا الآن أن هذه الأمور أكثر ضبابية وذلك بسبب اكتشافنا لقوانين جديدة أكثر تعقيداً وتطوراً وغموضاً والتي ساهمت في تغيير نظرتنا للكون و فهمنا للواقع وهي قوانين علم ميكانيكا الكم أي الحركة الكمية وهو العلم الذي يسيطر على كل الذرات وكل قطعة في المادة بدءاً من النجوم والكواكب والمباني وإنتهاءاً بأنفسنا.
معضلات سبقت نظرية الكم
في اواخر القرن التاسع عشر، ظهرت نظرية العالم (غوستاف كريشهوف) التي تفترض أن الأجسام السوداء تستطيع أن تُصدر إشعاعات ملونة عند تعرضها للحرارة بحيث تكون الألوان بأطياف موجية مختلفة الطول اعتماداً على تغيّر درجة الحرارة ، وقد تم إثبات صحة هذه التجربة. عقب هذا الاكتشاف ، جاء العالم الالماني (هينريش هيرتز) لیكمل المسيرة بإكتشاف آخر عظيم سُمي بـ ”كارثة الأشعة الفوق بنفسجية“ أو ”Ultraviolet catastrophe“، فقد اكتشف أن الموجات التي تصدر عن الأجسام السوداء تتحول إلى ضوء يُشبه ضوء الشمس وفي النهاية تتحول إلى إشعاعات فوق بنفسجية.
لم يقتصر الأمر على هذا الحد ، بل اكتشف العلماء أن الضوء الصادر عن هذه الاجسام السوداء ينقسم إلى سبعة ألوان (ألوان الطيف) في حالة تعرّضه لمنشور (Prism) ، كما أنهم لاحظوا أنه إذا تعرّض هذا الضوء لمادة صلبة وشفافة ، فستكون النتيجة أن بعضاً منه سينعكس والبعض الآخر سيمر من خلاله ، وسُميت هذه الظاهرة بأسم ”الظاهرة الكهروضوئية“ أو ”Photoelectric effect“
في ظل هذه الاكتشافات وحيرة العلماء تجاهها، ظهرت معضلة اخرى عندما قام عالما الفيزياء وليم ستروت رايلي و جيمس جينز بإجراء حسابات على الطاقة المنبعثة من الجسم الحار وذلك بالاعتماد على مبدأ الحتمية ، وكانت الكارثه أنهم اكتشفوا أن الطاقة المنبعثة من الجسم ستكون لا نهائية ، وعلى إثر هذا الاكتشاف قاموا بوضع قانون جديد سُمي بإسميهما والذي يتوافق إلى حد كبير مع فرضيات وأسس نظرية الكم.
ظهور نظرية الكم (quantum)
شهد عام 1900م تغيّراً جذرياً في عالم الفيزياء ، وذلك بمجئ العالم (ماكس بلانك) بنظرية جديدة وفرضية غريبة تختلف تماماً عن الفيزياء الكلاسيكية التي كانت تتعامل مع الطاقة على أنها وحدة واحدة تنتقل بكميات مختلفة ، حيث افترض بلانك أن الطاقة موجودة على شكل وحدات أطلق عليها اسم الكم (quantum) وهو مصطلح استخدمه لوصف أصغر كمية من الطاقة يمكن أن تبعثها أو تمتصها المادة بصورة إشعاع كهرومغناطيسي.
وضع بلانك المعادلة الآتية وهي التي تعطي طاقة الاشعاع الكهرومغناطيسي: (E= hv) حيث أن (E) هي الطاقة و(v) هو التردد و(h) هو ثابت بلانك أو الرقم الذي إفترضه بلانك لحل معضلة ”الكارثة فوق البنفسجية“. وتبلغ قيمة ثابت بلانك 6.63 ´ 10-34J. s حيث V=c\h وبذلك تصبح معادلة بلانك على الصورة E=h c\h ، وبالرغم النجاح الكبير الذى لاقته هذه النظرية ، إلا أن بلانك لم يستطع تفسير السبب الحقيقي وراء انبعاث الطاقة على هذا الشكل الكمّي.
نتائج نظرية الكم
– ظاهرة الكهروضوئية : في عام 1905 تمكّن العالم اينشتاين – بالاستعانة بقوانين الكم – من تفسير ظاهرة الكهروضوئية وهي ظاهرة تحرُّك الضوء على شكل موجات عند تعرضه لكم كبير من الطاقة ، ففسر ذلك بقوله أنه بداخل الضوء هناك ما يسمى بـ ” إزدواجية الذرة والموجات” أي أن الضوء أيضاً ينتقل بكميات معينة مثل الطاقة ، ولكي يُفرّق بينهما أطلق اينشتاين على هذه الكميات الخاصة بالضوء اسم (فوتونات) (photons) وقد نال اينشتاين جائزة نوبل عام 1921 عقب هذا الاكتشاف.
– علم ميكانيكا الكم : كان لتفسير ظاهرة الكهروضوئية اثراً كبيراً في حدوث تغيّر عظيم في عالم الفيزياء ، فقد مهّدت الطريق لوجود علماً جديداً وهو (علم ميكانيكا الكم) والذي بدوره كان سبباً في حل الكثير من معضلات الفيزياء أهمها معضلة ثبات الذرة ، فقد وقف العالم البريطاني (إرنست رذرفورد) – عقب تعريفه للذرة وتقسيمها – أمام معضلة تحرُّك الشحنات بحركة دائرية واصدارها لإشعاعات تفقدها من طاقتها تدريجياً لتصل في النهاية لمركز الذرة ثم تُصد أو تنحرف عن مسارها.
– طيف الانبعاث لذرة الهيروجين : استطاع العالم الدنماركي (نيلر بور) تفسير هذه الظاهرة – بالاستعانة بقوانين الكم – بإكتشافه أن إشعاعات العناصر البسيطة لها خواص معينة مثل غاز الهيدروجين فهو عند تعرّضه لطاقة كبيرة فإنه يتوهج ويُصدر إشعاعات زرقاء اللون .
– ظاهرة كومبتون : أكمل العالم الأمريكي (أرثر كومبتون) المسيرة من بعد (بور) ، وتمكّن من الوصول إلى اكتشاف جديد وهو أن الفوتونات تتصرف كجسيمات صغيرة لها كتلة مستقلة ، و أطلق على هذا الاكتشاف اسم (ظاهرة كومبتون) والذي حصل على إثره على جائزة نوبل عام 1927.
– اختراع المجهر الالكتروني : جاء بعد ذلك العالم الفرنسي (لويس دي بروي) وقام بعدة تجارب تمكّن فيها من إثبات أن الإلكترونات تتعرّج عند مرورها من شقوق صغيرة مثلما تتعرج أمواج الضوء تماماً ، وهذا الإكتشاف فتح الباب أمام اختراع (المجهر الالكتروني) شديد الدقة الذى حصل بسببه على جائزة نوبل عام 1929 ، فقد مكّن العلماء من رصد حركة الجسيمات داخل الخلايا متناهية الصغر.