تشي جيفارا Che Guevara ، ثوري كوبي ، ينتمي إلى المذهب الماركسي ، يذكر اسمه فور ذكر أي ثورة من الثورات ، يعتبره الكثيرين بأنه رمزا للثورة والنضال ، وهو رجل دولة عالمي برز اسمه عاليا لما قدمه من بطولات في الثورة الكوبية حتى أصبح رمزا من رموز الثورة إلى يومنا هذا ، دعونا نتعرف على قصة حياة ” جيفارا ” ورحلته الثورة .

نشأته :
ارنستو تشي جيفارا Ernesto Che Guevara ، ، ولد في عام 1928 في الأرجنتين ، لديه من الإخوة اربعة وهو أكبرهم ، تنتمي عائلته إلى أصول إيرلندية واسبانية باسكية . وكان من المعروف عن والداه بأنهما ينتميان إلى المذهب اليساري ، فتربى جيفارا وترعرع على هذا المبدأ ، وقد كان متعاطفا مع الفقراء منذ صغره ، وتربى في عائلة تعيش في خضم السياسية حيث كان والده يستقبل الكثير من الأطياف السياسية .

كان جيفارا يعاني من مرض الربو الحاد ولكن لم يقف هذا المرض عائقا ضد طموحاته وحياته منذ نعومة أظافره ، فأحب الرياضة وبرع بالسباحة وكرة القدم والرماية والجولف ، ولكنه كان يميل إلى الأسلوب العدواني في اللعب فلقبه أصدقائه بالـ ” فوزر ” أي المشتعل .

تعلم من والده لعبة الشطرنج ، فاصبح يشارك في البطولات المحلية وهو في سن الثانية عشر ، وكانت له ميولا أدبية حيث كان مولعا بالشعر ، وكان يقرأ لأهم الشعراء آنذاك ، كما أنه كان شغوفا بالقراءة فاهتم بكتب كالل ماكس وويليام فوكنز واندريه جيد وجول فيرن ، وجون بول سارتر ، وتأثر بهؤلاء الكتاب بشكل كبير .

التحق جيفارا بجامعة بوينس آيرس ليدرس الطب فتخرج منها في عام 1948 ، وفي سنة 1951 ، ذهب في رحلة لمدة سنة كاملة ليعبر بها أمريكا الجنوبية بالركوب على الدراجة النارية هو صديقه المقرب ألبيرتو غرانادو ، وكان سبب هذه الرحلة هي مشاركته في العمل التطوعي في مستعمرة سان بايلو لمرضى الجذام في البيرو ، وفي طريقه إلى ماتشو بيتشو في جبال الأنديز اكتشف مدى الفقر الكبير الذي تعيشه تلك المناطق النائية ، وسجل الحياة التي يعيشها في الفلاحين ببساطتها وتواضعها في مذكراته التي ألفها بعنوان ” يوميات دراجة نارية ” وكانت هذه المذكرات من أكثر الكتب مبيعا آنذاك ، والجدير بالذكر أنه تم تحويل هذه المذكرات إلى فيلم سينمائيا حصل على جائزة في عام 2004 . وفي عام 1953 عاد إلى الأرجنتين ليستكمل مشواره العلمي ويكمل درساته في الطب .

رحلته إلى غواتيمالا :
بعد تخرجه من نفس العام خرج إلى رحلة أخرى في 7 يوليو سنة 1953 ، وكانت تتضمن بوليفيا وبيرو والاكوادور وكوستاريكا ونيكاراغوا وبنما وهندوراس والسلفادور ، وفي رحلاته عبر ممتلكات شركة الفواكه المتحدة التي حينما رآها ذهل بتفشي الرأسمالية فأبدى رغبته بالانتقام من الرأسماليين خاصة بعد موت جوزيف ستالين حيث أقسم بأنه سينتقم ويتغلب على هذه الأخطبوطات كما يسميها .

وفي نفس الشهر ذهب في رحلة إلى غوانتيمالا وكانت في تلك الفترة يرأسها خاكوبو اربينيز الذي له جهودا واضحة في الحد من نظام الإقطاع ، حيث أطلق برنامجا كبيرا لإصلاح الأراضي ، وكان من المقرر أن يتم مصادرة جميع الأراضي الغير مستزرعة لإعادة توزيعها على الفلاحين الفقراء فكان من أكبر ملاك هذه الأراضي شركة الفواكه المتحدة ، حيث سحبت الحكومة منها أكثر من 225.000 فدان ، وبسبب حملة الإصلاحات هذه قرر جيفارا أن يقيم في غواتيمالا .

وفي إقامته هناك تعرف على مواطنة من البيرو تدعى ” هيلدا جاديا اكوستا ” ، كان لديها الكثير من العلاقات السياسية باعتبارها عضوا في التيار السياسي في حزب التحالف الشعبي الثوري أمريكانا ، فقدمت جيفارا إلى العديد من رفيعي المستوى في حكومة أربينز ، فكون علاقات مع مجموعة كبيرة من المنفيين ، وفي تلك الفترة أصبح يلقب بـ ” تشي جيفارا ” والتي تعني الرفيق جيفارا .

وفي عام 1954 ، أطيح بحكومة أربينز وسيطر على البلاد الحزب اليميني الدكتاتوري برئاسة كارلوس كاستنيو ارماس ، فانضم جيفارا إلى الميليشيات التابعة لأربينز والتي نظمتها مجموعة من الشباب الشيوعي للدفاع عنه ، إلا أنه أصيب بالإحباط نتيجة لتباطؤ الميليشا في وجود حلول ، ولكنه ظل في صفوف القتال وأصبح من المطلوبين للاغتيال ، خاصة بعد أن تم القبض على هيلدا جاديا ، فاضطر جيفارا إلى الاحتماء بالقنصلية الارجنتينية إلى أن سمح له بالخروج الآمن إلى المكسيك ، وهناك تزوج من هيلدا جاديا في عام 1955 .

رحلة إلى المكسيك :
عمل جيفارا في المستشفى العام في قسم الحساسية بمكسيكو ، كما عمل مصورا صحفيا لوكالة الأنباء ، والتقى بأصدقائه الذين تعرف عليهم في غواتيمالا من الكوبيين المنفيين ، كما تعرف على فيدل كاسترو وهو زعيم ثوري في حركة 26 يوليو ، وانضم جيفارا إلى الحركة بهدف الإطاحة بالديكتاتور باتيستا الذي كان يعتبره جيفارا دمية في يد الولايات المتحدة وهيمنتها التي يجب القضاء عليها ، وتدرب على فنوف القتال والتدريبات العسكرية إلى أن أصبح من أفضل المقاتلين في الحركة .

ثوراته :
قامت الثورة الكوبية في عام 1956 برئاسة كاسترو ، وأسفر عن الهجوم على كوبا مقتل معظم الثوار ولم يتبقى منهم سوى 22 رجلا من ضمنهم جيفارا ، وفي الحرب أصبح جيفارا من أبرز المتمردين ، فأقام مصانع لتصنيع القنابل اليدوية ، وقام ببناء أفران للخبز ، وكان يعلم المجندين الذين ينضمون إلى الحركة تكتيكات الحرب ، كما حرص على تنظيم مدارس لتعليم الفلاحين القراءة والكتابة ، وأنشأ مراكزا صحية وورشا لعمل التكتيكات العسكرية ، كما أنشأ صحيفة خاصة بنشر المعلومات ، حتى أن مجلة التايم أطلقت عليه لقب ” عقل الثورة ” ، وبسبب جهوده الواضحة في تنظيم الجيش وتطويره ارتفع ليصبح قائدا ثانيا في الجيش .

كان جيفارا صارما وحازما في شأن كل من ينشق عن الحركة والجماعة المتمردة حيث كان يطلق عليهم النار فورا وكان يعاقب الهاربين ويتهمهم بالخيانة ويطاردهم ليعدمهم ، وعلى الرغم من هذا فقد كان يهتم بتثقيف الجيش وتدريبه .

ونتيجة لهذه الجهود توالت الانتصارات وأصبح المتمردين يسيطرون على معظم القطاعات فيما عدا سانتا كارلا ، فتوجه حينها جيفارا بكتيبته الانتحارية إلى سانتا كارلا وانتصر في المعركة وهرب باتيستا إلى الجمهورية الدومينيكية ، وفي فبراير من عام 1959 أعلنت الحكومة الثورية انتصارها وأعطيت لجيفارا الجنسية ، وأصبح وزيرا للصناعة ومتحدثا رسميا باسم كوبا في الأمم المتحدة . كما أنه تطلق من هيلدا جاديا وتزوج بأخرى تدعى ” اليدا مارش ” التي كانت عضوة في حركة 26 يوليو .

وبعد فترة اختفى جيفارا عن الأنظار ، وكتب رسالة وداع إلى الشعب الكوبي واستقالته من الحكومة ، وذلك بعد خطاب له كان في الجزائر ينتقد به التدخلات السوفيتية في كوبا وضجره من كثرة هذه التدخلات ، كما أنه أراد أن يستكمل مسيرته الثورية ، فانتقل في رحلة إلى الكونغو لقيام ثورة إلا أنها باءت بالفشل لتخاذل المقاتلين وكثرة القادة الفاسدين فيها .

وبعد ذلك انتقل إلى بوليفيا واستقر في الغابات الجافة الجبلية في إحدى المناطق النائية بنانكاهواوو ، حيث كان يدرب بها الثوار عسكريا وكون جيشا من 50 شخص أسماه جيش التحرير الوطني لبوليفيا ، إلا أن مهمة جيفارا في الثورة والقضاء على الهيمنة الأمريكية باءت أيضا بالفشل لعدة أسباب وهي القوة المقابلة تفوق قوة جيشه من حيث العدة والعتاد فهو لم يكن يتوقع بأنه سيحارب بجانب الجيش البوليفي قوات الكوماندوس الخاصة ، كما أنه توقع التحاق المنشقين إلى صفوفه ولكن هذا لم يحدث ، ولم يكن قادرا على التواصل مع أنصاره بهافانا وبالتالي لم يعد يمتلك إمدادات وأصبح معزولا ومحاصرا مع جيشه .

إعدامه :
تعاون منفي كوبي يدعى ” فيليكس رودريغيز مع وكالة الاستخبارات الأمريكية لمساعدتهم في مطاردة جيفارا ، فأبلغهم عن مكان جيفارا وجيشيه في بواد جورو ، فقامت القوات ا/لأريكية بمحاصرة المنطقة وحدث تبادل لإطلاق النار مما أدى إلى إصابة جيفارا واعتقاله ، ورفض جيفارا الاستجواب على يد الضباط البوليفيين ، وكان على الرغم من حالته السيئة مرفوع الرأس ولا يهاب الموت بل كان يركل الضابط اسبينوزا برجليه لأنه كان يحاول انتزاع السيجار من فمه ، كما أنه بصق في وجه الاميرال اوجاتاشي قبيل إعدامه .

وفي التاسع من أكتوبر ، كان يوم إعدام جيفارا وسئل إذا كان يفكر في حياته والخلود ولكنه أجاب ” لا أنا أفرك في خلود الثورة ” وقال للجلاد الذي سيقتله ” أنا أعلم أنك جئت لقتلي أطلق النار يا جبان إنك لن تقتل سوى رجل ” ، فأطلق الجلاد تسعة أعيرة نارية على جيفارا خمسة على ساقيه وواحدة على كتفه الأيمن وأخرى اعلى ذراعه الأيمن ، وواحدة فقط على صدره وواحدة في حلقه . وجاءت ردود الفعل على إعدامه مهيبة وغاضبة ، وتحول اسم جيفارا إلى رمزا للثورة واعتبره الشباب في جميع انحاء العالم أنه شهيد لقضاياهم واعتبروه ممثلا لطموحهم وأحلامهم وجابوا الشوارع يحملون صوره عاليا .


كتاباته :
في مطلع شبابه كان مهتما في تأليف الشعر والنثر والكتب مثل :
الشعر :
– ماريا العجوز ستموتي أحدثك بجدية .
– كانت حياتك مسبحة من الصعاب.
– اسمعي ايتها الجدة البروليتارية
– فلتؤمني بالإنسان الاتي
– فلتؤمني بالمستقبل الذي لن ترين
– لا تصلي لرب قاسي
– انكر عليك حياة الامل
– ولا تطلبي الموت رحمة
– لتشاهدي غزلانك الهجين تكبر
– لا تفعليها لا تفعليها.

الكتب :
– حرب العصابات Guerilla warfare ، صدر في عام 1961 .
– الإنسان والاشتراكية في كوبا ، صدر في عام 1957 .
– ذكريات الحرب الثورية الكوبية ، صدر في عام 1968 .
– الأسفار تكون الشباب … والوعي .
– الإنسان الجديد
– لم أنسى