في اللغة تعرف الدلالة على أنها الإبانة ، والإيضاح على الشيء يقال دلني فلان على المكان أي أرشدني إليه  ، واشتُقّت هذه الكلمة في الأصل من الفعل (دَلَلَ) بمعنى استيضاح الأمر بدليل نفهمه ، والدّليل: ما يُستَدَلّ به، فدّله على الشَّارع ؛ أيّ يدلّه دِلالة ودَلالة .

علم الدلالة في اللغة العربية

عند علماء اللغة العربية فإن تعريف علم الدلالة بأنه هو العلم الذي يبحث عن  “المعنى” ، ونظرياته مع كيفيّة جعل المُفردات ذات معنى ، كذلك فيعرفها بعد العلماء على أنها كما استخدام المُفردات  المتعددة استخداماً مُعيّناً وفق نسق لغوي محدد مع مُفردات أخرى ولابد من وجود علاقات معينة بينهم ، كما عرف الإمام عبد القاهر الجرجاني علم الدلالة في أحد كتبه وقال : “الدّلالة هي كَون الشّيء بحالة يلزم مِن العلم به بشيء آخر، والأول هو الدّال، والثّاني هو المدلول” .

أنواع الدّلالات اللغويّة

هناك الكثير من الطرق التي يمكن من خلالها تغير معنى الكلمة ، أو الدلالة التي تدل عليها الكلمات ، لذلك فأن هناك الكثير من الأنواع المختلفة للدلالة ، كذلك فأن كل كلمة في العبارات المختلفة تتنوع دلالتها وتختلف ، أن تغيرت أشياء صغيرة في الجملة ، لذلك فأن علماء اللغة قسموا علم الدلالة إلى خمسة  أقسام كل قسم مختلف عن الأخرى وهم :

الدّلالة المعجميّة

وهي أن يكون للمفرد الواحد الكثير من المعاني ، التي تدل عليه ، ويستدل على المعنى المراد من خلال السياق الذي يأتي فيه اللفظ ، وتعد الدلالة المعجمية من أهم الأسباب التي أدت إلى وجود ملايين المعاني في المعاجم العربية ، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك ونذكر منها كلمة تولى :

  • قال تعالى (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا) ، معنى الكلمة : استولى على المُلك وأصبح والياً.
  • قال تعالى: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّ) ، معنى الكلمة : أعرض .
  • قال تعالى: (وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، معنى الكلمة : بدأ به وتحمل معظم الأمر .
  • قال تعالى: (وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ) ، معنى الكلمة : أنصرف .

فقد جاءت كلمة تولى بالكثير من المعاني المختلفة في كل آية من الآيات السابقة ، وتغير معناها وفقاً لسياق الكلام .

الدّلالة الصّوتيّة

وتعرف بأنها  الدّلالة التي تعتمد على القيمة الصّوتيّة للحرف الواحد وما يُعبّر عنه ، وقال ابن جني في كتابه (الخصائص) : أن هناك العديد من الأمثلة عليها منها الفعلين (قَضَم- خَضَم) ، الفعل الأول يُراد به : (أكل الشّيء اليابس) ، أمّا الثّاني فهو : (أكل الشّيء الرّطب) ، وقد أدّى هذا الاختلاف في وُجود حرفيّ (القاف-الخاء) في معنى الفعلين ؛ لما يراه العرب في حرف الخاء أنّه حرف (رخو) ، وأنّ حرف القاف حرف (صلب) ، وهذا ما يؤكّده كتاب (الخصائص) الذي يقول إنّ العرب كانوا يأخذون: “مسموع الأصوات إلى محسوس الأحداث”، كما يُذكر في الكتاب نفسه أنّ هذا النّوع من الدّلالات الّلغويّة تشتهر في الحُروف التي تُعبّر عن الأصوات الطّبيعيّة، مِثل: (الخرير ، والحفيف ، والعواء ، كذلك الصّرير، والقلقة، وغيرها)، ومن الأمثلة التي تدل على ذلك :

  • قال تعالى (الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، معنى الكلمة خر : سقط ، ومعنى الصوت : صوت الماء ، دلالة الكلمة : دلالة كلمة (خرَّ) هُنا السّقوط، بينما (الخَرير) يُستعمل لصوت الماء ، وهُنا تحصل الإضافة الصّوتيّة، فالآية التي بعدها تقول: (وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، وكأنّ صوت الخَرير هُنا هو التّسبيح ، فكان للكلمة دلالة صوتيّة هي: (السّقوط مع التّسبيح).
الدّلالة السّياقيّة

وهي الدلالة التي يدل اللفظ فيها على المفهوم ، والمقصود بلفظ واحد ، فيكون اللفظ الذي ينطقه المتكلم هو ذاته الذي يفهمه المستمع ،  وهذا ما ذَكَره تمام حسّان في كتابه (اللغة العربية: معناها ومبناها) أنّ لهذه الدّلالة مفهوماً يُسمّى بـ (المَقام) ، وهذا من باب قول العرب  “لكلّ مقام مقال” ، كما قال بأن أهل النّحو من العرب القُدماء لهم السبق في تعريف هذا المفهوم وأنّه ليس (مالينوفسكي) الذي نُسب إليه إيجاد المُصطلح المعروف سياق الموقف (بالإنجليزيّة: Contact of situation) .

برأي تمام حسّان لم يعرف مالينوفسكي أنّ هذا المُصطلح سُبَق الحديث عنه قبله بقرون عديدة ، وأنّ العرب كتبوا فيه كُتباً ولكن ما جعل مالينوفسكي يذاع صيته أنه حظي باهتمام عالمي كبير ، الأمر الذي لم يحدث مع العرب  وهذا ما جعل المُصطلح مرتبط به وهناك الكثير من الأمثلة على الدلالة السياقية منها :

  • مثال : كلمة : قريب : معانيها كثيرة وهي المسافة ، النسب ، والمحبة ، فإن قلنا هو قريب إلى قلبي فتعني المحبة ، فرغم كثرة المعاني المرتبطة بكلمة  (قريب) ، إلا أن وجود كلمة (قلبي)  بعدها جعلت المعنى واضحاً جداً.
الدّلالة الاجتماعيّة

وهي الدّلالة التي تهتم بموافقة المعنى  للحياة الإنسانيّة وشُعوره للمعنى المراد منها ، ويمكن تعريفها بأنها في تناسب مع تطور المعنى الإنساني ، بتطور الإنسان ، كما جاء في كتاب (مفاهيم القرآن) لصاحبه السّبحانيّ بعض المعاني الجديدة التي ارتبط وُجودها بتطوّر الإنسان الاجتماعيّ ، وهناك الكثير من الأمثلة التي ذكرها ومنها معاني كلمة (الكلام) التي تطوّرت .

هو عند عوام النّاس : مجموعة من الحروف والأصوات التي تخرج من المُتكلّم ، وأنّه إذا زالت الأصوات ذهبت صفة الكلام عنه ، ولكن مع تطوّر الإنسان اجتماعيّاً توسّع المفهوم إلى الخُطب المنقولة، والشِّعر الذي رُوي عن فُلان، والأحاديث النّبويّة، وغيرها، ومع عدم صدور أصوات عن هذه الأمور إلّا أنّها تُسمّى كلاماً ، ولكن يجب معرفة أن الدلالة الاجتماعية تحتاج إلى وقت كافي حتى تتطور وهناك الكثير من الأمثلة على كلمة تتطور عبر الزمن منها :

  • مثال كلمة : حريم : معناها النساء ، معناه الشيء المحرم مسه.
  • الحرامي : اللص ، ومعناها الشيء المنسوب للحرام .
الدّلالة الصّرفيّة

وتعرف بأنها هي الدّلالة التي تبحث في الأوزان والصِّيغ المُجرّدة و المعاني المختلفة منها ، ولكن الأصل الذي تعتمد عليه هذه المعاني في تغيرها هو علم النحو ، والقواعد الأعرابية ، ومن النّاحية البنائيّة ، ويجب الإشارة أن نوع الجملة التي يقع فيها اللفظ يساعد في تغير بنيتها سواء كانت جملة اسميّة، أو فعليّة أو حرفيّة .

مثال : جملة : كَذَبَ الرَّجُل ، الجذر اللغوي : كَذَبَ ، الوزن الصرفي : فَعَلَ ، الجملة المعدلة : كذبتُ الرجل ، المعاني المستفاد من الوزن الصرفي : هو التعدية ، حيث أن الفعل تعدى إلى مفعول به .

الدّلالة النّحويّة

الدلالة النحوية تختلف عن غيرها في أن الجملة هي من تعطي المعنى للفظ ، حيث أن اللفظ لا يتغير معناه وأنما يختلف عمله باختلاف إعرابه في الجملة الواقع فيها ومثال ذلك :

  • مثال : أكرم خالد أخاه ، فهنا خالد هو الفاعل الذي قام بالفعل  ، أما لو قلنا أكرمتُ خالداً ، أصبح خالد هو المفعول به الذي وقع عليه الفعل بعد تغير موقعه في الجملة .