الآن كمواطن أمريكي أو غير أمريكي، يمكن الدخول على الإنترنت وكتابة تغريدة تعبر فيها عن أرائك في السياسات الأمريكية سواء الداخلية أو الخارجية، ومن الممكن أن تبحث على الإنترنت وتصل إلي كل وجهات النظر سواء المؤيدة أو المعارضة لهذه السياسات، ولكن في سنة 1917 كان الأمر يختلف، فقد كانت البروباجاندا التي تصنعها الدول هي الصوت المسيطر في هذا الوقت، فلم يكن من السهل أن تعارض لأنك لن تجد الوسيلة، ففي ذلك الحين كان من الصعب أن يصلك الصوت المعارض أصلاً.

صناعة البروباجندا الأمريكية

قام الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بعد أن تم إعادة انتخابه مرة أخرى بإنشاء وكالة لصناعة البروباغندا هدفها الوحيد هو التأثير على رأي الشعب وعين على رأسها الصحفي اللامع جورج كريل ليكون مُدبر دعاية الحرب العالمية الأولى في أمريكا.

في أبريل سنة 1917، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على ألمانيا، وكان هذا هو صوت قائد الأمة الرئيس وودرو ويلسون والحكومة الأمريكية، إلا أنه في ذلك القرار كان يحتاج إلي شعب من خلفه، فلن يأخذ وزرائه وموظفيه ويذهب ليحارب بنفسه، بل أنه يحتاج إلى الشعب حتى يخوض بهم الحرب.

للأسف كانت الأمة الأمريكية مترددة، وخصوصاً أنه فاز للولاية الثانية سنة 1916 تحت شعار (لقد أخرجنا من الحرب)، فكان على ويلسون أن يقنع جموع الشعب المتردد للذهاب للحرب في أوروبا فقد كان هذا الأمر ضرورياً، ولهذا قام ويلسون بصناعة لجنة الإعلام (CPI) حتى تركز على تعزيز المجهود الحربي.

لم يكن هناك أولى من الشخص الذي ساهم في أن يتم انتخاب ويلسون مرة أخرى، وهذا من خلال حملة تم إطلاقها في سنة 1912 الصحفي البارز في العلاقات العامة والدعاية جورج كريل، والتي تسبب في أن يتم إعادة انتخابه مرة أخرى، وكانت الحملة تحت اسم لقد أبقينا خارج الحرب.

تمكن جورج من أن يقنع الشعب الأمريكي من أن ويلسون تمكن من أن يبعد الأمة من الانجرار في مستنقع الحرب، والبقاء في سلام في جزيرتهم الهادئة، إلا أن ويلسون هذه المرة قد استدعاه مرة أخرى حتى يقوم بمهمة أخرى، وهي أن يزيح الفكرة التي زرعها في عقل الشعب الأمريكي والتي ساعدت ويلسون في الفوز، ويستبدلها بالفكرة المضادة وهي جرهم مرة أخرى إلي الحرب، هذه الفكرة مرعبة فعندما دعت أمريكا إلي الحرب، كان يخشى ويلسون من أن يتمرد عليه المنشقون والمعرضون، ولكن فكر ويلسون في أنه بدلاً من أن يقمع المعارضين، يمكنه أن يدير الرأي العام نحو فكرة أخرى، وهي الدخول إلي الحرب، وكانت الأداة الجبارة التي سوف تمكنه من هذا الأمر هي البروباجندا التي سوف يقودها كريل.

الحياة المبكرة لجورج كريل

ولد جورج إدوارد كريل في 1 ديسمبر سنة 1876، في ولاية ميسوري في مقاطعة لافاييت، والده هو هنري كريل وأمه هي فيرجينيا وكان له أخوين هما ويلي وريتشارد، على الرغم من أن هنري والد جورج كان مالك رقيق جنوبي من الأثرياء، إلا أنه لم يستطع أن يتكيف في الحياة بعد الحرب الأهلية، والتي انتهت وتركت هنري ملفس بسبب العديد من المحاولات الفاشلة للزراعة، وقد انجرف إلى تناول الكحول إلى أن أدمنه، كانت والدة جورج فرجينيا هى الداعم الأخير للأسرة فقد كانت تعمل في الخياطة من منزلها.

كان جورج متأثر بشدة بوالدته، فقد كانت مصدر إلهام شديد له، فقد قال عنها (لقد كنت أعلم أن والدتي تتمتع بشخصية وعقل بكافئة أي رجل عاش على الإطلاق) وقد أثار إعجابه أكثر تضحيات والدته لدعم الأسرة بالإضافة إلى دعمها لحركة الاقتراع النسائية.

الجدير بالذكر أن جورج قد سعى للدراسة في كلية أوديسا في ميسوري لمدة تقل عن عام واحد.

المسيرة المهنية لجورج كريل

في سنة 1898، تمكن كريل من الحصول على أول وظيفة له كمراسل شبل تابع لصحيفة كانساس سيتي وورلد وكان يكسب أربع دولارات في الأسبوع، ثم تم ترقيته ليصبح كاتب مقالات إخبارية، إلا أنه طرد من عمله لأنه رفض أن يكتب مقال شعر، لأنه من الممكن أن يحرج به رجل أعمال محلي بارز، فلقد طلب منه أن يسرد قصة فرار ابنته مع سائق حافلة العائلة.

بعد إقامة قصيرة في مدينة نيويورك، عاد كريل إلى مدينة كانساس سيتي سنة 1899 لأنه انضم إلى صديقه آرثر جريسوم في نشر جريدة الإندبندنت الخاصة بهم، وعمل كريل كمستقل في منصة تعزيز حقوق المرأة وغيرها من العمل المنظم التابع للحزب الديمقراطي.

في سنة 1909 انتقل إلى دنفر في كولورادو، وعمل في كتابة المقالات الافتتاحية لصحيفة دنفر بوست، وبعد أن استقال منها، عمل في جريدة The Rocky Mountain News من سنة 1911 إلى عام 1912، وكان يكتب مقالات افتتاحية لدعم المرشح الرئاسي آنذاك وودرو ويلسون، بالإضافة إلى مقالات مختلفة للمطالبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية في دنفر.

في يونيو سنة 1912، قام هنري أرنولد، بتعيين كريل مفوض لشرطة دنفر، وعلى الرغم من أن حملاته العدوانية تسببت في إحداث انشقاق داخلي والذي أدي إلى طرده في النهاية، إلى أنه تم الإشادة به على المستوي الوطني على اعتبار أنه كان جهة مراقبة متيقظة وداعمة للشعب.

في عام 1916 قام كريل بطرح نفسه للمساهمة في حملة إعادة انتخاب الرئيس ويلسون، من خلال عمله في اللجنة الوطنية الديمقراطية، حيث كان يقوم بكتابة مقالات ومقابلات تدعم البرنامج ويلسون، وبعد وقت قصير بعد أن دخلت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى سنة 1917، قام القادة العسكريين بحث إدارة ويلسون بالضغط عليه حتى يأخذوا فرصة في الرقابة الصارمة على أي انتقادات للحرب من خلال وسائل الإعلان.

بعد ذلك قام كريل بإرسال خطاب إلي الرئيس ويلسون يجادل فيه سياسية المراقبة التي تدعم حرية التعبير وليس القمع للصحافة، وقد أعجب ويلسون بأفكار كريل وعينه كرئيس للجنة الإعلامية (CPI) التي قادت الدعاية للحرب، والجدير بالذكر أنال وكالة الفيدرالية في ذلك الحين كانت وكالة مستقلة في ظل الحرب.

دعاية كريل للحرب

كانت فكرة كريل الأولى للدعوة للحرب هي توزيع أخبار جيدة للكشف على أكبر عدد ممكن للحقائق عن الحرب، وهذا دون المساس بالأمن القومي، وقد كانت مهمته بسيطة وهي إغراق البلاد بالإصدارات الخاصة بصحيفة متنكرة كقصص إخبارية فيها تلخيص للحرب، وقد قال كريل أن هدفه هو أن يحول شعب الولايات المتحدة إلى غريزة جماعية ساخنة، حتى يمنحهم إرادة الحرب وإرادة الفوز.

خلال عشرين شهر تورط أمريكا في الحرب، قد رصد مؤشر أسعار المستهلك، كم الإعلانات الحكومية التي تم أرسلها والتي وصلت قرابة 6000 نشرة في كل الصحف، وقد صمم على أن يوزع 1500 إعلان وطني، بالإضافة إلى هذا تمكن كريل من توزيع العديد من المقالات من خلال بعض المؤلفين المشهورين بعد أن وافقوا على الكتابة مجاناً

خلال أول شهرين كانت المعلومات التي تنشر هي فقط عن الإنجازات الخاصة بأمريكا في زمن الحرب وعظمة أمريكا والاحتفال بالمهاجرين الأمريكيين وغيرها من المعلومات عن الجيش والحرب، إلا أنه بعد هذين الحربين لم يجد ويلسون وكريل أن الحماس الشعبي تحرك بشكل كبير، فقد قام ويلسون باستغلال مناسبة يوم العلم، لرسم صور الجنود الأمريكيين وهم يحملون نجوم في المعركة، وقد تم نشر إعلانات تصور الجنود الألمان على أنهم وحوش وقرود يعبرون إلى أمريكيا، وهذا حتى يعبر عن أن الألمان يحاولون السيطرة على العالم، وفي النهاية نجحت المحاولات التي خاضها كريل وويلسون في دفع الشعب إلي تأييد الحرب.