في أغلب الأحيان يظن الناس أن الرغبة في الهروب محصورة بالضغط النفسي ، والعصبي ، ولكن في الحقيقة أن الإنسان قد يشعر برغبة في الهروب من كل شئ حتى من نفسه ، وهذا هو المقصود من الهروب في علم النفس ، ولكن عادة يكون الهروب من الواقع له علاقة بكثرة الصدمات التي يتعرض له الشخص في حياته ، وحصار التكنولوجيا لنا من كل ناحية وحدب ، يريد الإنسان أن يتحرر من كل هذه الضغوط ، الهروب ليس أمراً سئ في كل الأحوال وإنما يكون له الكثير من المميزات ، وأحيانا يكون هو الأمثل للتخلص من جميع الضغوطات النفسية ، من خلال أخذ فترة للتعافي من أغلب الهموم التي يشعر بها الإنسان.

الهروب النفسي

الرغبة في الهروب من الذات هو أصعب أنواع الهروب التي يمكن أن يشعر بها الإنسان حيث أن الشخص في هذه الحالة يشعر أنه من يسبب الأذى لذاته ، وأنه يريد أن يهرب منها حتى لا تحاصره في الزاوية الضيقة ، وتدمر له حياته .

الهروب من الواقع إلى الخيال

الهروب يمكن أن يكون نوعان نوع جيد ، ونوع غير جيد أما عن النوع الغير جيد فهو الهروب إلى حياة الإدمان ، ورفاق السوء وهناك أنواع من الهروب يمكن لها أن تكون مفيدة أكثر ومنها :

طرق صحية للهروب من الواقع

  • صفي عقلك: عادة ما ينسى الشخص نفسه أثناء ضغوط الحياة اليومية لذلك يجب أن يبتعد عن كل ما يشوش على عقله ، ويتأمل في الكون وكل ما يجعله سعيد ، ويكفل له عقل صافياً بعيد عن التفكير في المشكلات .
  • استمع إلى الموسيقى: الموسيقى الهادئ يمكن لها أن تكون شكلاً رائع من أشكال الهروب من الواقع ، حيث أنها تساعد على الاسترخاء والراحة ، النفسية ، والبدنية .
  • مارس اليوجا: اليوجا هي من الرياضات التي يمكن لها أن تساعدك على الهروب من الواقع وينصح بها الأطباء لتعزيز الصحة النفسية والقدرة على التنفس بشكل أفضل ، والمحافظة على السلام النفسي .
  • قراءة كتاب مفيد: القراءة يمكنها أن تنقلك من مكان إلى آخر بكل سهولة ويسر ، فأنك تشعر بكل الأحداث التي تقرأها وتغوص فيها بكل جوارحك.
  • زيارة مكان جديد: السفر هو أفضل الوسائل التي يمكن لك أن تستخدمها حتى تكون قادراً على مواصلة السير في الحياة ، وتأخذ هدنة من كل شئ ، فعندما نسافر لمكان جديد فإننا نعود أشخاصاً آخرين .
  • خذ هروبًا افتراضيًا: هناك الكثير من المواقع يمكن لك أن تستخدمها حتى تفصلك عن الحياة الواقعية التي تعيش فيها ، ولكن يجب عليك أن تستخدمها كعامل مساعد على التكيف على الحياة الواقعية ، وليس العيش معاها ونسيان حياتك الواقعية ، مثل موقع ( حياة ثانية ) التي يتيح لك أن تعيش حياة مختلفة عن التي تعيش فيها في أرض الواقع.

الهروب من النفس

لا يمكن أن تكون الحياة البشرية كلها عبارة عن نجاحات ، واستقامة على خط واحد ، وإنما النفس البشرية بطبيعتها يجب أن تتعايش مع أنها معرضة للتقصير ، وأن المتأمل في حال الإنسان يجد أن العاقل من فطن أنه بعد كل ذنب ، أو خطأ ، أو محاولة فاشلة يجب أن يواجه نفسه بأخطائه ويحاول أن يصلحه ، ولا يهرب من من المواجهة ، لأن الإنسان البشرى عادة ما تميل إلى الهروب من أخطائها ولا تحاول حتى أن تعترف بها ، ولكن يجب أن يتعلم الإنسان أن أول طريق للتخلص من الخطأ هو الاعتراف به .

وغالباً يهرب الإنسان من ذاته لأنه يعلم أن الحق يمكن أن يكلفه الكثير من الاعتذار ، وأغلب البشر لديهم الكثير من المشاكل النفسية مع الاعتراف بالخطأ والاعتذار ، وإن القرآن قد وضع لنا منهجاً قويماً ، ويتمثل ذلك في قصة آدم – عليه السلام – عندما اعترف بخطئه هو وزوجته حواء في قوله تعالى (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وهذا عكس إبليس عندما نسب خطائه للإغواء به وأنه لم يخطئ أبداً في قوله تعالى : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

كما أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يربي المسلمين جميعاً على الاعتراف بالخطأ في الدعاء والإقرار بالذنب في قوله :

  • ” اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل”.
  • ” اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني”.
  • ” اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي “.
  • ” اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم”.
  • ” اللهم اهدني وسددني “

فإن كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو المعصوم من الخطأ يقول ذلك فكيف بحالنا نحن من نقع في الخطأ ويجب علينا أن نتدارك أنفسنا ونحاول أن نعود عن ما نحن فيه ونلجأ إلى الله في كل وقت ونطلب منه المغفرة على مقدمنا .

كما أن لنا في سيدنا نوح أسوة حسنة عندما أراد الله أن يطهره من الذنب فجعله يلبس في بطن الحوت إلى فترة طويلة فأقر واعترف بذنبه فنجاه الله – عز وجل – من الظلمات إلى النور ويظهر ذلك في قوله تعالى : ( فنادى فِي الظُّلُمَاتِ أن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ )

الهروب من الواقع بالنوم

هناك الكثير من الأشخاص يعتبرون النوم هو الحل الأمثل لمواجهة المشاكل التي تعصف بهم في حياتهم ، عندما تكون نائماً فأنت لا تشعر بشيء أبداً ، لذلك فأن الكثير من العلماء يسمون النوم الموت الأصغر ، لذلك فلا يجب أن تستغرب أن وجدت شخص ينام أكثر من 12 ساعة في اليوم ، ولا يصحوا إلا لضرورة فهذا نوع من أنواع الاكتئاب ، والانعزال عن العالم ، كما أن هناك الكثير من الأطفال يستخدمون النوم كنوع من الهروب من الذهاب إلى المدرسة ، كذلك فأن الكبار يستخدمونه للهروب من الأعمال والمسئوليات التي تحيط بهم في يومهم .

الهروب من المشاكل

يقول علماء علم النفس أن الهروب من المشاكل غالباً يكون هو الحل الأمثل من مواجهتها ولكن في الكثير من الأحيان يكون خطأ كبير أيضاً لذلك يجب أن تتأمل في نوع المشكلة ، وهل أنت المتحكم فيها أو يمكن لك أن تسعى حتى تجد حلاً لها أما أن الحل بيد الله – عز وجل – وليس لسعيك أي دخل بحلها ، كما يجب أن تتأمل في مناقشة المشاكل مع الطرف الأخر هل أنت من خطأ وعليك الاعتراف بالخطأ والاعتذار أم أنك لست المخطئ وتريد فقط أن تواجه المشكلة حتى تشعر الشخص الأخر باللوم ، والتوبيخ على ما فعل ، وغالباً ما يكون الأمر عائد إلى المجتمع الذي يعيش فيه الشخص ، والوعي الذي يسمح له بمواجهة المشكلات ، والتعامل معها بطريقة صحيحة ، وليس التهرب منها في كل الأوقات .