في القرن الثامن عشر، عارض الفلاسفة فكرة الإدراك وقامت نظرية الشكل الحديثة  (Gestalt)، بإسقاط هذه المعارضة من خلال البرهان على أن الإدراك ليس مركبا مع الأحاسيس الأولية، ولكته بحد ذاته إحساس شامل وعام. وبالتالي فإن الإدراك هو الإحساس والوعي الفوري للهياكل في الواقع.

الإدراك في الحقيقة، ليس مجرد تصرف عقلاني محض، أنه هو دافع يؤدي إلى العمل، على سبيل المثال إدراك أو تصور الكرسي هو دافع أو استعداد للجلوس. في هذا المقال سنتطرق إلى موضوع الفرق بين الإدراك الحسي و الإدراك العقلي. من خلال معالجة عدة نقاط مرتبطة بالإدراك.

تعريف الإدراك

بينما تقوم المستقبلات الحسية بتجميع المعلومات باستمرار من البيئة، إلا أنه في النهاية كيفية تفسيرنا لتلك المعلومات هو الذي يحدد طريقة تفاعلنا مع العالم.يشير الإدراك إلى الطريقة التي يتم بها تنظيم المعلومات الحسية وتفسيرها وتجربتها بوعي. يتضمن الإدراك معالجة المعلومات اتجاهين محوريين.

المعالجة من القاعدة إلى القمة و المعالجة من القمة إلى القاعدة. توضح المعالجة من القاعدة إلى القمة حقيقية أن التصورات مبنية على المدخلات الحسية.من ناحية أخرى، وتتأثر كيفية تفسيرنا لتلك الأحاسيس بمعرفتنا المتاحة وخبراتنا وأفكارنا.

وعلى الرغم من أن إدراكنا مبني على الأحاسيس، إلا أنه ليس كل الأحاسيس تؤدي بالضرورة إلى الإدراك. في الواقع، غالبا ما لا نرى محفزات تظل ثابتة نسبيا على مدار فترات طويلة من الزمن. وهو ما يعرف باسم التكيف الحسي. تخيل مثلا دخول فصل دراسي وأنا تحمل ساعة قديمة. عند دخول الغرفة لأول مرة سيبقى بإمكانك سماع صوت الساعة، ولكن بمجرد الانخراط في محادثة مع زملائك أو الاستماع إلى الدرس سيختفي صوت دقات عقارب الساعة. في الواقع، ما يحدث هو أن دقات الساعة لم تتوقف ولا يزال النظام السمعي يتأثر بالمستقبلات الحسية، ولكن في الحقيقة أنك لم تعد تدرك الصوت. وهو ما يدل على التكيف الحسي، ويؤكد أن الإحساس والإدراك مختلفان.

هناك عامل آخر يؤثر على الإحساس والإدراك : هو الانتباه. يلعب الاهتمام دورًا مهمًا في تحديد ما يتم إدراكه مقابل ما هو محسوس. تخيل أنك في حفلة مليئة بالموسيقى والثرثرة والضحك. يمكنك الانخراط في محادثة مثيرة للاهتمام مع صديق ، ويمكنك التعامل مع الضوضاء. إذا قاطعك أحدهم للسؤال عن الأغنية التي انتهت لتوها من التشغيل، فربما لن تتمكن من الإجابة على هذا السؤال.

العوامل المؤثرة في الإدراك

يتأثر الإدراك بعدة عوامل، والتي نحددها فيما يلي:

–التعلم الإدراكي يمكن للشخص الذي حصل على تدريب في مهن أو تقنيات معينة أو غيرها من الوظائف، أداء المهام بشكل أفضل مقارنة بغيره.حيث يشكل التعلم والخبرة أفضل أداة لإتقان المهارات الإدراكية وتنمية الإدراك.على سبيل المثال ، يتعرف المكفوفون على الأشخاص بصوتهم أو بأصوات خطاهم.

-المنبهات العقلية: يشير التنبيه العقلي إلى درجة الاستعداد أو التأهب لتلقي بعض المدخلات الحسية. هذا التنبيه يحافظ على استعداد الفرد مع التركيز الشديد والاهتمام بالمعطيات الخارجية. على سبيل المثال ، عندما نتوقع وصول قطار، نستمع إلى بوقه أو حتى كان هناك الكثير من الضجيج.

-الدوافع والاحتياجات: دوافعنا واحتياجاتنا ستؤثر بالتأكيد على إدراكنا للواقع. على سبيل المثال، عند تحفيز شخص جائع للتعرف على المواد الغذائية. لا يمكن في هذه الحالة  توجيه انتباهه إلى أشياء أخرى حتى يتم استيفاء دوافعه.

-الأنماط المعرفية:إن الأشخاص يختلفون في الطرق التي يعالجون بها المعلومات و المدخلات الحسية. و لكل شخص طريقته الخاصة لفهم المواقف و إدراك الواقع من حوله.

الفرق بين الادراك الحسي والادراك العقلي

يمكننا تحديد الفرق بين الإدراك الحسي والإدراك العقلي من خلال تعريف كل منها على حدى:

-الإدراك الحسي: هو مصطلح يشير إلى مجموع الاستجابات للمنبهات الحسية الواردة من المثيرات الخارجية، ويعتبر الإدراك الحسي نتاج لعملية عقلية نكتشف من خلالها العالم الخارجي، عند تلقي الشخص للمثيرات الحسية. عملية الإدراك الحسي تتكون نتيجة لتنبيه الأعصاب الحسية، حيث تقوم الأعضاء الحسية بترجمة وفك شفرة المنبهات الخارجية وتحويلها إلى إدراك استنادا على المعرفة والخبرة السابقة. ولا تقتصر العملية الإدراكية الحسية على إدراك الخصائص الطبيعية للوقائع، ولكن تمتد لتشمل إدراك المعاني والرموز والدلالات.

ومن هذا يمكن القول، أن عملية الإدراك الحسي هي عملية ترتبط بالانفعالات وهي ذات درجة كبيرة من التعقيد. وهذا بسبب أن الإدراك الحسي يتداخل مع مجموعة من الأحاسيس، و ترتبط بالذاكرة و الوعي واللغة أيضًا. ويرتبط هذا النوع من الإدراك ارتباط وثيقا بالمنبهات الخارجية .

-الإدراك العقلي: هو عبارة عن نشاط دماغي وإدراك غير مباشر للمعارف الحسية، يرتبط بالمنطق. ويختلف تمامًا عن كونه فهم حسي وسطحي، فهو يعتمد على التحليل والفهم العقلي الشامل والعميق الذي لا يخضع إلى الحدود الظاهرة للوقائع، ويستند إلى التفكير المنطقي والأفكار المرتبة.