يواجه الجميع الآن في المملكة تغيرات مناخية كبيرة حيث تتعرض معظم مناطق المملكة إلى أمطار تتفاوت حدتها بين متوسطة وشديدة، وهذه الأيام الماطرة تذكرنا بتاريخ لا يمكن نسيانه في ذاكرة تاريخ المملكة، والتي تعود إلى 60 عاما إلى الوراء وتحديدا في عام 1376هـ وهو العام الذي يعرف باسم ” الهدام” أو ” الغرقة” حيث تغيرت الأحوال تماما بسبب هطول الأمطار المتواصلة ودمرت الكثير من البيوت والمساجد والمتاجر، وغادر الناس بيوتهم في المدن والقرى بحثا عن أماكن تؤويهم إلى الأماكن المرتفعة، فدعونا نتذكر سويا عام الهدام وأهم النتائج المترتبة عليه

ما هو عام الهدام؟
من أصعب الأيام التي عاش فيها أجدادنا هو أيام فيضان نجد الكبير عام 1376هـ 1956م حيث استمر المطر لمدة تصل إلى 58 يوما واستمرت الأمطار بغزارة شديدة جدا، وقد حاصرت الأمطار البيوت الطينية البسيطة، ودمرتها وشردت سكانها، ولم يتبق أي شئ يعصمهم سوى أغصان الشجر خوفا من الانجراف بمياه الفيضان، وقد تأثرت عدة مناطق من الجزيرة العربية بهذا الطوفان وكانت أكثر المناطق تضررا هي القصيم وسدير ، وكانت بريدة وما يجاورها من مدن وقرى هي المتضرر الأكبر أيضا في هذه الواقعة.

وقد استمر هطول الأمطار عدة أيام متواصلة ثم أعقبها ظل وغيوم ولم يستطيع الناس الدخول إلى منازلهم أو الخروج منها، حتى أن معظم المساكن قد هجرت وظلت خاوية على عروشها، واستمرت السحب متلاحمة كقطعة من الحديد، واستمر المطر والظل واشتدت البرودة حتى نزل الجليد والبرد الذي لن يرى مثله إلى الآن، وقد تراكمت الغيوم وهطلت الأمطار واشتد البرد واستمر الوضع على هذه الشاكلة لمدة شهرين إلا يومين لن يرى الجميع الشمس فيه.

فتحولت الحياة البسيطة التي كان يعيش عليها سكان نجد إلى موت محقق، فالأمطار لن تتوقف لمدة 58 يوما حتى داهمت الكثير من المناطق ولم تترك شيئا من المنازل أو المحلات التجارية أو المساجد أو الجدران الطينية ليحل الدمار على نطاق واسع لا يمكن أن يمحى من الذاكرة.

شهادات حية على طوفان نجد
ولأن هذه الواقعة لا يمكن نسيانها على مر التاريخ كانت هناك شهود عيان حتى أنها وثقت في كتاب حوادث الزمان والتي قال عنها فضيلة الشيخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن والذي قال بالنص “ومضى على الأمة خمسة أيام متوالية والأهالي في القصيم ينتظرون بفارغ الصبر أن يمسك الله السماء عنهم، وبما أن بريدة وضواحيها لا تزال مهددة من خطر السيول؛ نتيجة (120) ساعة لم تتوقف الديمة عنها، وكانت سائر القصيم كذلك، غير أن شدة وقعه كانت على بريدة وضواحيها كان مما يعجب له خوف أوقعه الله في القلوب من سكنى البيوت، حيث كانوا يتوقعون أنها ستنطبق عليهم. وفي يوم الأربعاء 17 جمادى الأولى هطلت أمطار وسيول زيادة عما هم فيه من الديمة المتواصلة؛ فتعطلت الدراسة منذ ذلك اليوم ولم يستطع البشر الجلوس داخل المنازل؛ لشدة خرير السقوف، ولما كان في 18 /5 خرجت الأمة إلى البراري خوفًا من سقوط البيوت، وأصبحوا مهددين بالأخطار، هذا ولا تزال السماء منطلقة الوكاء تصب المياه صبًا، وكان قد أنخاط الجو وأظلمت الدنيا لفقدهم ضياء الشمس، وكان القوي من يملك بساطًا يرفعه بأعواد فيجلس وعائلته تحته!.”

وتابع حديثه قائلا “تقدر البيوت التي سقطت من هذه السيول في بريدة نفسها بثلاثة آلاف بيت، وجرى وادي الرمة وكان جرياً عظيماً، وكان لا يجري إلاّ إذا عظم هطول الأمطار، كما أن الوادي الذي كان مجراه في قلب الخبيب جرى ومنع الداخلات والخارجات من السيارات”.

وقد عاشت الأسياح التي يصب بها أكثر من 13 واديا بالإضافة إلى وادي الرمة العملاق أيام هطول المطر حوالي 58 يوما، وقد خرج بعض الناس ممن يمتلكون بيوت شعر إلى البراري في الأيام الأولى، والآخرين حاصرتهم السيول وقطعت إمدادات الغذاء لصعوبة الوصول إليها، كما تهاوت معظم البيوت على من بداخلها.