مع بداية القرن التاسع عشر حدثت العديد من التحولات الاقتصادية و الاجتماعية في العالم ، و في اوروبا على وجه التحديد مما دعى الفلاسفة و المؤرخين ، للتدقيق حول الأمور التي ساعدت على ظهور التاريخ .

نظريات حول ظهور التاريخ و سرد أحداثه
كارل ماركس و النظرية المادية
كان من بين من فسروا التاريخ بطريقة مادية كارل ماركس ، حيث أنه كان يرى أن التاريخ نشأ و تطور نتيجة لعدد من الصراعات الطبقية ، و ذلك لأنه وجد أن كافة مراحل التاريخ كان بنيانها الصلب ، الذي اعتمدت عليه هو تلك العلاقات الاقتصادية بين الأشخاص فيه ، تلك التي نجم عنها العديد من التنظيمات في النواحي الاجتماعية و السياسية و الفكرية ، أما عن الإنسان فقد كان يرى أنه نتاج لتلك البيئة التي يعيش فيها و تؤثر فيها ، و هذا الأمر هو الذي يعمل على تحريك ، و تغيير الحركة التطورية للتاريخ تلك التي تبلورت بداية من المجتمع البدائي ، مرورا بالمجتمع العبودي و الاقطاعي وصولا إلى الرأسمالية و الاشتراكية .

شبنغلر و نظرية دورة الحضارات
أما عن أوزولد شبنغلر فكان يرى أن الحضارات لها دورات تحدد حياتها تماما مثل دورة حياة الكائن الحي ، و تبدأ هذه الدورة بمراحل النمو و الارتقاء ثم الازدهار ، بعدها تصل إلى زروة هذه المرحلة و التي تعرف بالنضج ، و بعد ذلك تأخذ مسيرة مختلفة و تعرف بالانحدار إلى الهاوية ، و قد فسر التطورات التاريخية بكونها لا يمكن أن تستمر على خط مستقيم طوال الحياة ، و إنما تتبلور وصولا للنضج و تنتهي بها النهاية للتخلف ، ثم تقام حضارات و عصور جديدة و هكذا هي دورة التاريخ الحضاري.

توينبي و نظرية التحدي و الاستجابة
أما عن أرنولد توينبي فقد فسر كيفية نشأة التاريخ و الحضارات اعتمادا على نظرية اسماها التحدي و الاستجابة ، حيث أنه كان يرى أن نشأة التاريخ تحددها سلسلة من التحديات و الظروف الصعبة ، التي تواجه الإنسان في حياته ، و التي تحدد همته و تنمي قوة الإبداع التي تكمن في دواخل نفسه ، و لوحظ أن أغلب الحضارات العظيمة التي عرفها العالم ، قد تعرضت في وقت من الأوقات لأزمة شديدة أو حرب ضارية دمرت بنيانها التحتية تماما ، و طمست مظاهر حياتها مما كان داعيا للأشخاص فيها لاقامة حضارة جديدة بظروف مختلفة ، تمكنهم من الحصول على ضروريات الحياة و إلا سوف تكون نهايتهم الحتمية هي الزوال و الانقراض .

فوكوياما و نظرية نهاية التاريخ
كان من بين من فسروا التاريخ و ظهوره الشهير فرانسيس فوكوياما ، و قد عرفت نظريته بنهاية التاريخ و قد بنى هذه النظرية على ما عرفه الفيلسوف هيجل ، تلك النظرية التي تقول أن التاريخ الإنساني يتجه قدما نحو النهاية ، حتى يجد الاستقرار ذلك الاستقرار الذي يفسر طبيعة الأنظمة الاقتصادية و الديموقراطية ، و النظام الديموقراطي هو ذلك النظام الذي يعترف بكرامة الإنسان و قيمته الإنسانية ، أما عن النظام الاقتصادي الحر فهو ذلك النظام الذي يعمل على تلبية احتياجات الإنسان المادية ، و على الرغم من امكانيته في تلبية حاجات الإنسان ، إلا أنه ليس الأمر الكافي أبدا للإنسان ليحصل على السعادة .

كافة هذه النظريات لا يمكن أبدا أن تتناقض معا في تفسيرات نشأة التاريخ الإنساني و طبيعة تطوراته ، إنما كافة هذه النظريات هي نظريات تكميلية كل منها يكمل الآخر ، و ذلك لأن التاريخ هو عدة مراحل مرت بالإنسان أخضعته بالعديد من العوامل و الظروف الاجتماعية و الطبيعية و الاقتصادية ، و من ثم فكافة هذه النظريات بالاتفاق معا يفسروا التاريخ بداية من كارل ماركس ، وصولا إلى فوكوياما .