على مدار التاريخ حدثت العديد من الأزمات والانهيارات الاقتصادية التي أطاحت ببلدان ومناطق وأقاليم كاملة، والتاريخ يذكر بعض تلك الإنهيارات دونما غيرها نظرا لحدتها، ومن تلك الأحداث الشهيرة أزمة الكساد الكبير.

المقصود بأزمة الكساد الكبير
هي أزمة مالية يطلق عليها إما أزمة الكساد الكبير أو الانهيار الكبير وباللغة الإنجليزية تسمى Great Depression وهي عبارة عن أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929م وطالت مدتها حيث استمرت طيلة عقد الثلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، وتعتبر تلك هي الأزمة الإقتصادية الأكبر والأشهر من ضمن الأزمات الاقتصادية التي حدثت في القرن العشرين، وكانت تلك الأزمة قد بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية كما أوضح الخبراء، حيث حددوا تاريخ 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود يوم بدء الأزمة مع انهيار أسواق المال الأمريكية.

أسباب حدوث الأزمة
1- الكثير من المصارف تتعرض بشكل دوري للإفلاس ولا مشكلة في ذلك، بينما أزمة الكساد الكبير حدثت بعد تعرض عدد كبير من المصارف للإفلاس في بداية الأزمة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وضياع مخزونها المالي في تمويل الحرب.

2- بعد تعرض البنوك والمصارف للإفلاس، زادت حدة الأزمة بعد أن عجزت الدولة عن زيادة السيولة المالية في السوق لكي تواكب الطلب المتزايد على العملة، كما أن الدولة لم تتخذ قرارا بتخفيض نسب الضرائب وبالتالي انهارت معدلات الاستثمار؛ ثم أخذت السيولة المالية في الانخفاض، ومن ثم بدأ الكساد يعم البلاد.

3- حدوث حالة من الخلل بين نسب العرض والطلب، وعليه بدأت تلوح في الافق مشكلات اقتصادية بسبب زيادة الإنتاج الذي لم يكن يقابله شراء بسبب صناعة الآلات ومضاعفة الإنتاج وقلة الأموال في أيدي المواطنين، فحدث أن تعرضت العديد من المصانع للإفلاس وفسدت البضائع والسلع والمنتجات، وكان ذلك تحديدا في الدول الرأسمالية التي تنتهج النظام الحر في الاستثمار والذي يرفض أن تتدخل الدولة للحد من نشاط الأفراد في الميدان الاقتصادي، وعليه يكون أصحاب رؤوس الأموال أحرارا في كيفية استثمار أموالهم وأصحاب الأعمال أحرار فيما ينتجون كماً ونوعا، ولكن عدم التنسيق في إنتاج منتجات هامة ولجوء التجار لإنتاج السلع الأغلى فقط أحدث حالة من التخمة في المنتجات التي لم تجد سبيلا لتصريفها.

4- نفس ما حدث في الدول الرأسمالية الأوروبية حدث في أمريكا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث كانت بعض المصانع قد تم استغلالها لتصنيع السلاح للحروب، ولكن بعد انتهاء الحرب عادت لك المصانع فجاة لتنتج سلعا عديدة، في الوقت الذي كانت فيه الحالة الاقتصادية سيئة ولم يجد المواطنون ما يشتروا به؛ فتعرضت السلع كذلك للفساد وانتشر الكساد في أرجاء أمريكا.

5- بعد الحرب العالمية الأولى كانت الدول الأوروبية تتلكأ في تسديد الديون المستحقة للولايات المتحدة، وفقد المستثمرون القدرة في الحكومة الأمريكية على حماية استثماراتهم، فحدثت انهيارات كبيرة في البورصة الأمريكية، وأدى ذلك إلى هبوط أسعار الأسهم بشكل حاد وتسبب في مزيد من الإفلاس والبطالة.

نتائج أزمة الكساد الكبير
1- من أهر النتائج هي خروج العمال في مظاهرات حاشدة كان أشهرها مسيرة سلمية للعمال المسرحين في مدينة تورونتو الكندية.

2- تاثرت الأنظمة الرأسمالية بشدة من تلك الأزمة فقد تحول النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر إلى اقتصاد موجه وخضعت بعض القطاعات الحيوية كشركة إنتاج الفحم الإنجليزية وشركة المترو الفرنسية لنظام التأميم.

3- تسببت الأزمة في انتهاز بعض الديكتاتوريين لها واستطاعوا التوصل للحكم في بعض البلدان كالنازية في ألمانيا، وما ترتب على ذلك من إغلاق أسواق كثيرة في وجه التجارة العالمية.

4- استطاعت الأزمة أن تشغل الدول بمشكلاتها الإقتصادية عن مراقبة إتفاقيات منع التسليح التي تم الإتفاق عليها بعد الحرب العالمية الأولى، وعليه بدأت بعض الأنظمة الشيوعية تستغل الفرصة وتطور من التسليح ما أشعل الأمور فيما بعد مع بداية الحرب العالمية الثانية.

5- الغريب في الأمر أن أزمة الكساد الكبير كانت نتيجة مباشرة من نتائج الحرب العالمية الأولى، وكذلك سببا من أسباب قيام الحرب العالمية الثانية.