إن عائلة بورجياس هي الأسرة الأكثر شهرة في عصر النهضة الإيطالية ، ويتوقف تاريخها عادةً على أربعة أفراد رئيسيين هم : البابا كاليكستوس الثالث ، وابن أخيه البابا ألكسندر الرابع  ، وابنه سيزار ، وابنته لوكريزيا ، وبسبب تصرفات الأجيال التي تلت كاليكستوس الثالث ، ارتبط اسم العائلة بالجشع والقوة والشهوة والقتل ، مما أدى إلى سقوط عائلة بورجيا.   [1]

صعود عائلة بورجياس

ألفونسو دي بورجيا 1378م  حتى 1458م

هو الشخصية الأكثر شهرة في عائلة بورجيا ، وهو ألفونسو دي بورجيا ، أو الفونس دي بورخا بالإسبانية ، وهو ابن لعائلة متوسطة الوضع نشأ في فالنسيا في إسبانيا.    [2]

التحق الفونس بالجامعة ودرس الشريعة والقانون المدني ، وقد كان متفوقًا دراسيًا وموهوب ، وبعد التخرج ارتفع شأنه أكثر من خلال الكنيسة المحلية ، بعدما تولى تمثيل أبرشيته في الشؤون الوطنية ، وقد عُيِّن الفونس سكرتيرًا للملك ألفونسو الخامس ملك أراغون 1396م – 1458م ، وأصبح منخرطًا بعمق في العمل السياسي.

حيث كان يعمل في بعض الأحيان كمبعوث للملك ، وسرعان ما أصبح الفونس نائباً لمستشار الملك ، ومساعد موثوق به ويعتمد عليه ، لدرجة أنه حل محله كوصي عندما ذهب الملك لغزو نابولي ، وأثناء تلك الفترة قام بإظهار مهاراته كمسؤول ، وقد قام أيضًا بالتحيز لأسرته والوساطة لهم في العديد من الأمور ، منها أنه تدخل في محاكمة قتل ، لتأمين سلامة أحد أقاربه.

وعندما عاد الملك ، قاد الفونس مفاوضات بشأن بابا منافس كان يعيش في أراغون ، وقد نجحت مفاوضاته بشكل أثار إعجاب روما ، وأصبح كاهنًا وأسقفًا ، وبعد مرور بضع سنوات ، ذهب ألفونس إلى نابولي ، التي كان يحكمها ألفونسو الخامس من أراغون ، وأعاد تنظيم وتشكيل الحكومة بها .

وفي عام 1439م  مثّل ألفونس أراغون في مجلس ، لمحاولة توحيد الكنائس الشرقية والغربية ، ورغم فشل المفاوضات تلك المرة ، إلا أنه عندما تفاوض الملك في نهاية الأمر على الموافقة البابوية لتصبح نابولي تحت سيطرته بالكامل ، في مقابل الدفاع عن روما ضد منافسيه في وسط إيطاليا ، ووكل الفونس بهذا العمل ، ونجح فيه بمهارة عالية ، تم تعيينه بشكل رسمي ككردينال في عام 1444م مكافأة له ، وهكذا انتقل إلى روما في عام 1445 م ، وكان عمره 67 عامًا ، وقام بتغيير لقب عائلته من بورجياس إلى بورجيا.

كاليكستوس الثالث  : البابا البورجي الأول

وفي الثامن من أبريل عام 1455 م ، وبعد فترة وجيزة من تعيين الفونس بشكل رسمي ، تم انتخاب ألفونس بابا ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنه لا ينتمي إلى أي فصائل رئيسية ، ويبدو أنه بسبب تقدم عمره ، كان مقدرًا له فترة قصيرة فقط في الباباوية.

وقد تم منحه لقب كاليكستوس الثالث ، وكإسباني أصبح لالفونس العديد من الأعداء المتربصين في روما ، وبدأ حكمه بعناية ، حريصًا على تجنب الأعداء والفصائل المعادية بروما.    [3]

وعلى الرغم من ذلك فقد توقفت أول مراسم له بسبب أعمال الشغب المنتشرة ، إضافة  لذلك فقد تراجعت أيضًا علاقته مع ملكه السابق ألفونسو الخامس ، بعد أن تجاهل كاليكستوس الثالث طلب ألفونسو الحملة الصليبية.

الوساطة الباباوية والمحسوبية في عائلة بورجيا

انشغل كاليكستوس الثالث في الوساطة لأفراد عائلته ، ولم تكن المحسوبية غير معتادة في البابوية ، بل سمحت للباباوات بإنشاء قاعدة من المؤيدين ، فقام كاليكستوس بتقديم ابن أخته رودريغو ، وشقيقه الأكبر بيدرو 1432م – 1458م ، وتعيينهم رسميًا ، وقد كانوا في منتصف العشرينات من عمرهم ، وبسبب شبابهم ، وحبهم للنفوذ والعلاقات النسائية ، أدى ذلك إلى انتشار فضائحهم  وفجورهم  في روما ، وبالرغم من ذلك فقد كان رودريغو الذي تم إرساله إلى منطقة صعبة كإرث بابوي ، ماهرًا وناجحًا في عمله ، وأعطيّ أخيه بيدرو قيادة الجيش ، وبسبب تدفق الترقيات والثروات على الشابين اليافعين ، فقد أصبح رودريغو الثاني في قيادة الكنيسة ، وبيدرو دوق ومحافظ ، كما أعطيت باقي من أفراد الأسرة الآخرين أيضًا مجموعة من المناصب ، وتوفي كاليكستوس الثالث في عام 1458م.

رودريغو رحلة إلى البابوية 1431م -1503م

في المجموعة التي تلت وفاة كاليكستوس ، كان رودريغو أصغرهم في العمر ، لكنه لعب دورًا رئيسيًا في انتخاب البابا الجديد بيوس الثاني ، وهو الدور الذي تطلب الشجاعة والمقامرة في حياته المهنية ، وبالفعل نجح في هذه الخطوة.

فأصبح رودريغو بالتالي حليفًا رئيسيًا للبابا الجديد ، وأصبح  نائب المستشار ، لما يتمتع به من قدرات تؤهله لذلك الدور ، لكنه كان يحب النساء والثروة والمجد أيضًا ، وكان هذا الاختلاف بينه وبين كاليكستوس ، إضافة لأنه بدأ في الحصول على فوائد من الأراضي لتأمين منصبه.

وقد تعرض رودريغو لتوبيخ رسمي من البابا بسبب تلك المخالفات ، وكان رد رودريغو هو تغطية تلك المخالفات بشكل أكبر ، وقد كان لديه العديد من الأبناء ، أشهرهم الابن الذي يدعى سيزار في عام 1475 وابنة تدعى لوكريزيا في عام 1480.

وفي عام 1464م توفيّ البابا بيوس الثاني ، وعندما بدأت المقارعة لاختيار البابا التالي ، كان رودريغو قوياً بما يكفي للتأثير على انتخاب البابا بولس الأول خدم في 1464م -1471م ، وفي عام 1469م تم إرسال رودريغو كإرث بابوي إلى إسبانيا ، بإذن للموافقة أو رفض زواج فرديناند وإيزابيلا ، وبالتالي اتحاد المناطق الإسبانية أراغون وقشتالة ، وكان دور رودريغو الحصول على  الموافقة على تلك الزيجة ، والعمل على دفع أسبانيا لقبولها.   [4]

وبالفعل حصل رودريغو على دعم الملك فرديناند ، وعند عودته إلى روما ، أبقى رودريغو على رأسه ، حيث أصبح البابا الجديد Sixtus IV الذي خدم في عام 1471م – 1484م ، مركزًا للتآمر والمكائد في إيطاليا ، وقد تم منح أبناء رودريغو طرقًا للنجاح ، فأصبح ابنه الأكبر دوقًا ، بينما كانت الفتيات متزوجات لتأمين التحالفات.

في عام 1484 تم تعيين البابا كونسولفا بابويًا من مجموعة إينوسنت الثامن ، بدلاً من جعل رودريغو بابا ، لكن زعيم بورجيا كان يراقب الوضع ويعمل بجد لتأمين الحلفاء ، لما اعتبره فرصته الأخيرة ، وساعده البابا الحالي الذي تسبب في أعمال عنف وفوضى في ذلك .

وفي عام 1492م ومع وفاة إينوسنت الثامن ، قدم رودريغو لتسيير جميع أعماله ، عدد كبير من الرشاوي ، حي انتخب أخيرًا البابا ألكساندر السادس ، حتى أنه قيل وقتها : أنه اشترى البابوية.

ألكساندر السادس : البابا البروجي الثاني

كان ألكساندر يحظى بدعم شعبي واسع النطاق ، فقد كان دبلوماسيًا ماهرًا ، وغنيًا ومليء بالحيوية ، وكان يهتم بالاستعراض والتفاخر بثروته ، وقد حاول ألكساندر في البداية إبقاء دوره منفصلاً عن الأسرة ، لكن سرعان ما استفاد أبناؤه من انتخابه ، وحصلوا على ثروة هائلة.

وسرعان ما استوطن البورجيا في إيطاليا ، فبعد أن وصل أحد أقارب سيزار إلى روما ، تم تعيينه رسميًا كردينال ومكافأته في عام 1493م ، في حين أن العديد من الباباوات الآخرين كانوا من أتباع المحافظين ، وذهب ألكساندر إلى أبعد من ذلك ، حيث كان يروج لأبنائه ويتبني الوساطة والمحسوبية لهم.

كما عرف عنه تعدد علاقاته النسائية مما جعل سمعته تزداد سوءًا ، كما بدأ بعض أبناء بورجيا أيضًا في التسبب في مشاكل ، وإزعاج العديد من العائلات ، ويبدو أن ألكساندر نفسه في إحدى نزواته ، هدد بنفي عشيقة له بسبب عودتها لزوجها.

وسرعان ما اضطر ألكساندر للتنقل عبر الدول ، بسبب المشاكل والنزاعات الأسرية والسمعة السيئة التي أحاطت به ، وفي البداية حاول التفاوض ، فقام بتزويج لوكريسيا البالغة من العمر 12 عامًا من جيوفاني سفورزا ، وقد حققت هذه الزيجة بعض النجاح كتفاوض دبلوماسي ، لكنها لم تدم طويلاً.

فقد دخلت فرنسا الساحة ، في تنافسية على الأراضي الإيطالية ، وفي عام 1494م غزا الملك تشارلز الثامن إيطاليا ، وتقدمه بالكاد توقف عندما دخل تشارلز روما ، فتقاعد ألكساندر في القصر ، وقد كان بإمكانه الهرب ، لكنه بقي لاستخدام قدرته ضد تشارلز العصابي ، وقد تفاوضا معًا على بقائه كحلًا وسطًا ، كفل له باباوية مستقلة ، لكنه ترك سيزار كقائد بابوي ورهينة إلى أن هرب.

أخذت فرنسا نابولي ، لكن بقية إيطاليا اجتمعت في دوري مقدس لعب فيه ألكساندر دورًا رئيسيًا ، فعندما تراجع تشارلز مرة أخرى عبر روما ، اعتقد ألكسندر أنه من الأفضل المغادرة هذه المرة.

حروب سيزار بورجيا

نظر ألكساندر إلى حالة الدول البابوية ، التي أصبحت في حالة من الفوضى بعد الغزو الفرنسي الأول ، وقرر اتخاذ إجراء عسكري ، فأمر سيزار الذي كان في ميلانو مع جيشه ، بالاستيلاء على مناطق واسعة من وسط إيطاليا لصالح البورجيا.

وقد حقق سيزار نجاحًا باهرًا على الرغم من عودة فرقته الفرنسية الكبيرة إلى فرنسا ، فقد احتاج إلى جيش جديد ومن ثم عاد إلى روما ، وبدا أن سيزار يسيطر على الأمر ، وقد وجد ترحيب له من قبل الناس ، الذين رأوا أنه من بعد التعيينات البابوية والمحسوبيات ، أنه من الأفضل البحث عن الابن بدلاً من ألكساندر ، وقد أصبح سيزار أيضًا الكابتن العام لجيوش الكنائس وشخصية مسيطرة في وسط إيطاليا.

ثم قُتل زوج لوكريزيا ربما بناء على أوامر من سيزار الغاضب ، الذي تردد أنه كان يتصرف ضد من أساؤوا إليه في روما عن طريق الاغتيالات ، وقد كان القتل شائعًا في روما تلك الفترة ، ونسبت العديد من الوفيات التي لم يتم حلها إلى بورجياس ، وعادةً ما يكون سيزار.

وقد غزا سيزار في إحدى المراحل مدينة نابولي ، لإزالة سيطرة الأسرة الحاكمة التي أعطت لبورجياس في بدايتها ، وعندما ذهب ألكساندر جنوبًا للإشراف على تقسيم الأرض ، ترك لوكريزيا في روما كوصي ،  وحصلت عائلة بورجيا على مساحات كبيرة من الأراضي في الولايات البابوية ، والتي أصبحت تتركز معظمها في أيدي عائلة واحدة أكثر من أي وقت مضى ، وكانت لوكريزيا متحمسة  لتتزوج من ألفونسو ديست لتأمين نجاح فتوحات سيزار.  [5]

سقوط عائلة بورجيا

بدا التحالف مع فرنسا عائق أمام سيزار ، مما دفعه لوضع خطط ، وإبرام صفقات ، واكتساب الثروة ، وقتل الأعداء لتغيير هذا الوضع ، ولكن في منتصف عام 1503م توفي ألكساندر بسبب الملاريا ، ووجد سيزار أن سنده قد رحل ، وأن عالمه أصبح فارغ.

كما اندفعت إليه جيوش أجنبية كبيرة من الشمال والجنوب ، وكان يعاني هو الآخر من شدة المرض ، علاوة على ذلك ، هرع أعداؤه من المنفى لتهديد أرضه ، وعندما فشل سيزار في الفوز بالمعبد البابوي ، قام بالتراجع عن روما.

وأقنع البابا الجديد بيوس الثالث ، خدم من سبتمبر إلى أكتوبر 1503م ، لإعادة استقباله بأمان ، لكن هذا البابا توفي بعد ستة وعشرين يومًا واضطر سيزار إلى الهروب مرة أخرى.

ثم بعد ذلك قام بدعم منافسًا كبيرًا من بورجيا ، وهو الكردينال ديلا روفيري ، كما فعل مع البابا يوليوس الثالث ، ولكن مع غزو أراضيه رفض روفيري الحلول الدبلوماسية من يوليوس ، وقام باعتقال سيزار ، ومن ثمّ تم طرد بورغياس ، وسقطت عائلة بورجيا ، وأجبروا على التزام الهدوء.

والتطورات سمحت بإطلاق سراح سيزار ، الذي عاد إلى نابولي ، ولكن تم اعتقاله من قبل فرديناند من أراغون ، وحبس مرة أخرى ، وقد هرب سيزار بعد عامين ، لكنه قُتل في مناوشة في عام 1507م ، وكان يبلغ من العمر 31 عامًا فقط.

المراجع