الحمد الله رب العالمين والصلاة  والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم ،  قال الله تعالى عن سيدنا يونس عليه السلام  {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } سورة يونس الآية 98، و قال سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } الآية 87.

وقال تعالى في سورة الصافات {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} الآية 139-148.

من هم قوم يونس عليه السلام

بعث الله تعالى يونس عليه السلام ، إلى قرية نينوى ، حيث عاش أهلها في الجهل والظلمات والشرك زمن طويل ، فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم رجلا من بني يعقوب عليه السلام ، هو ” يونس عليه السلام ” لكي يدعوهم إلى عبادة الله تعالى .

عرف قوم يونس عليه السلام ، بأنهم الآشوريين الذين أسسوا حضارة عريقة عرفت باسمهم ، وكان موطنهم حول نهر دجلة وروافده في بلاد العراق ، وكان أشهر مدنهم هي دنيتوى وآشور ، وتقع هذه المدن في الجهة المقابلة لمدينة الموصل ، نشأ الأشوريون في البادية ، ولكنهم تغلبوا على أهل المدينة وأسسوا حضارة عريقة.

كانت لهم عاصمتان : الأولى هي آشور كانت عاصمة فصل الشتاء ، وقرية نينوى وكانت عاصمة فصل الصيف ، قام الأشوريون بعبادة أصنام ، وقاموا بتسميتها على أسماء المدن ، وكان إلههم الأكبر ويدعى آشور ، وكانت تسمى به مملكتهم ، وكانوا يقربون إليه العطايا والهدايا ، ويسيرون على أوامره ونواهيه.

ثم جاءت دعوة يونس عليه السلام ، والتي انطلقت من مدينة نينوى ، و الدال على ذلك عندما ذهب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، إلى الطائف لدعوه أهلها ، والتقى فيها بعداس غلام نصراني لبني ربيعة ، وحينما قدم إليه الغلام العنب ، فمد الرسول صلّ الله عليه وسلم يده الشريفة وقال بسم الله ، فقال له الغلام إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلدة ، ثم قال له النبي صلّ الله عليه وسلم من أي البلاد أنت ، فقال الغلام من نينوى ، فقال النبي صلّ الله عليه وسلم من ” أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ” فقال له الغلام وما يدريك ما يونس ، فقال له النبي صلّ الله عليه وسلم ، “ذلك أخى كان نبيًا وأنا نبي ” .

دعا نبي الله يونس عليه السلام قومه لعبادة الله تعالى ، ونبذ ما بهم من عادات سيئة ، وظلم وعدوان على الناس ، ولكن القرية تمسكت بعبادة الأوثان والأصنام وعبادة الآباء والأجداد .

ولكن لما طال عليهم العهد ، غضب سيدنا يونس عليه السلام وأنذرهم من عذاب الله تعالى ، ولكن لما أصروا تركهم في الضلال والكفر واتجه ناحية الشرق حيث السفن والبحر حتى يسافر ، بعد أن تركهم يونس عليه السلام قذف الله تعالى في قلوبهم حب التوبة والرجوع عن عبادة الأصنام والرجوع لله تعالى، فأخذ القوم يستغيثون ويتضرعون إلى الله تعالى ، لكي يكشف عنهم الغضب وينزل عليهم رحمته،  فاستجاب الله تعالى لهم ورفع عنهم العذاب.

فقال الله تعالى : {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} ولما مضت الأيام الثلاث التي وعد بها يونس عليه السلام قومه ، ولم يصبهم شيء فوجدهم سالمين فغضب .

 وكان لا يدر ما أصاب قومه من خوف ورهبة لله تعالى ، وكان جزاء الكاذب القتل ، فخرج هارب خشية القتل من قومه ، حتى وصل لشاطئ البحر وقال القرآن الكريم ، ” إذ ابق إلى الفلك المشحون ” ، الآبق : هو العبد الهارب من سيده ، وفي آية أخرى أشارت لغضبة ، {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا}.

جاء في التفسير أن القرية أمنوا بعد فرار يونس عليه السلام ، فنفعهم الإيمان ، ورفع الله تعالى عنهم العذاب والخزي ، قال العلماء أن مغاضبًا ، بمعنى مغاضبًا من أجل ربه والمؤمن يغضب لله إذ عصى أمر ربه وتركت طاعته، وذهب رأي أخر أن المغاضبة كان المراد بها ضيق صدر يونس عليه السلام .

ثم ذهب سيدنا يونس عليه السلام إلى البحر، واستقل سفينة  لكي تأخذه بعيدًا عن قومه ، و وجد يونس عليه السلام  السفينة ، مملوءة فركبها وصارت بالبحر ، ولكنها توقفت في البحر فتشاور الركاب مع بعضهم البعض ، واتفقوا على الاقتراع ، ووقع السهم على نبي الله يونس عليه السلام ثلاث مرات، فألقوه في الماء ، وآتى الحوت العظيم فالتقمه ، وأمر الله تعالى الحوت ألا يأكله واستقر يونس عليه السلام ، في بطن الحوت ، ولكنه أخذ يسبح الله تعالى ” فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” ، وتاب عما كان لما رأى ضيق الدنيا عليه.

فأمر الله تعالى الحوت أن يقذفه على الساحل ، وكان نحيل وضعيف عاري ، يحتاج إلى الستر والظل والطعام ، فأنزل الله تعالى عليه نعمه ورحمته ، فقال تعالى { فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ }  سورة الصافات.

فأنبت الله تعالى عليه شجرة اليقطين ، فقد كان جلده ذائب وأي شيء بسيط يمر به قد يؤذيه وشجر اليقطين لها أوراق عريضة وورقها يحمي من الذباب والحشرات وبقا تحت ظلها حتى أسترد عافيته وأصبح معافى .

وكلف الله تعالى سيدنا يونس بالرسالة ومن عليه مرة أخرى ، فقال تعالى في سورة الصافات {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}،و اختلف العلماء هنا هل هم القوم الأوائل أم قوم آخرون.

الدروس المستفادة من قصة يونس بن متى عليه السلام

الدرس الأول: الصبر على المحن هو طريق الدعوة إلى الله تعالى ، كما أن طريق الدعوة محفور بالمخاطر والصعوبات ، ويجب الصبر عليها، وعدم ضجر الداعي إلى الله من الناس والصبر عليهم ، كما كان النبي صلّ الله عليه وسلم يفعل مع قومه.

الدرس الثاني: الإخلاص في العبادة لله تعالى ينجي من المهالك ، فالله تعالى يعين على الدعوة.

الدرس الثالث : مناجاة يونس عليه السلام لربه في بطن الحوت والتسبيح والاستغفار ينجي من المهالك، فقال سعد بن أبي وقاص  رضي الله عنه أن الرسول صلّ الله عليه وسلم قال ” دعاء يونس في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ”  ما يدعو به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له.