نظريات الإدارة وأبحاثها ليست ضرورية للقيام بتحسينات بل وتحسينات كثيرة، وليست لرفع مستوى الأداء بل ورفعه كثيرا، وليست ضرورية لتحسين القوائم المالية بل وتحسينها كثيرا. كثير من المديرين والموظفين يقوم بعمل تحسينات عظيمة بدون وجود خمسة ت أو أسلوب عمل قياسي أو نظام تقليل الفاقد أو أساليب إحصائية للعمليات أو روح الفريق، وكثير من المديرين ينجح في رفع مستوى الأداء، وتحسين القوائم المالية للمؤسسات، وتحقيق ربحية عالية. ولكن هل هذا نجاح مستديم أم هو بناء سريع السقوط؟ هل هو تحسين فعلا؟ هل تم القياس بطريقة صحيحة؟ يمكنك أن تبنيَ بناءً بكل سهولة بخامات كثيرة وبتكلفة بسيطة، ولكن من الصعب أن تبني بناء لا ينهار. كذلك يمكنك أن تقوم بتحسينات كثيرة لا تلبث أن تختفي بعد ساعات او أيام، ويمكنك أن تقوم بما ظاهره التحسين وباطنه التدمير.

التحسين الفردي

عمدما تجد مشكلة وتحاول حلها بشكل منفرد بأن تقدم حلا وتطلب من العاملين تنفيذه دون أن تشركهم في الدراسة والتقييم والتخطيط فإنك قد فقدت ولاءهم لنجاح هذا الحل ولاستمراره فالمرء يدعم الحلول التي يشارك فيها ولو مشاركة محدودة. وعلاوة على ذلك فأنت لم تُنَمِّ مهارات العاملين في البحث والدراسة و بالتالي فإن المشكلة التي ستقابلهم غدا سيتوقفون عندها وسيتظرون الحل منك.

التحسين السطحي

واجهت مشكلة مثل الإهمال في العناية بماكينة ما أو مكان ما فنهَرْتَ العاملين وطلبت منهم إعادة الوضع إلى الوضع الصحيح، هل قُمْتَ بتحسين مستديم؟ للأسف، لا، فأنت لم تبحث عن السبب الجذري للمشكلة وتعاجه، أنت عالجت آثار المشكلة، أما المشكلة فمازالت قائمة وستظهر آثارها مرة أخرى في نفس المكان أو في أماكن أخرى. أما التحسين الحقيقي فيأتي من البحث عن السبب الحقيقي والجذري لهذا الإهمال، هل هو عدم وجود أسلوب عمل قياسي؟ هل هو ضعف في التدريب؟ هل هو نقص في الإشراف؟ هل هو صعوبة التنفيذ؟ هل هو نقص الأدوات؟ هل هو إحباط العاملين؟ هل هو كثرة المشاغل وضيق الوقت؟

بدون أن نعالج الأسباب الجذرية سنظل نقوم بمثل هذه التحسينات التي هي معالجة سطحية لا قيمة لها فالمرض تحت هذا التحسين وسيظهر عى الجسم لا محالة.

التحسين بلا حساب

عندما تجد مكانا مهملا فتقوم بتغييره كليا بأن تهدمه ثم تبنيه على أحدث طراز، أو يكون لديك ماكينة فتستبدلها بماكينة جديدة أفضل منها فإنك تقوم بعملية إحلال وليس عملية تحسين. التحسين هو أن تحسن في الشيء نفسه دون أن تستبدله، أما استبدال الماكينات بغيرها فهو إمّا أمر مطلوب نتيجة لتطور التكنولوجيا وحتمية التغيير، أو أمر غير محمود لأنك فشلت في الحفاظ على الماكينة القديمة وتحسينها، أو هو إسراف بدون سبب. لذلك فإن عملية الاستبدال ليست تحسينا ولا أمرا تفخر به فأنت كلفت المؤسسة الكثير لتشتري ماكينة جديدة ولم تأت بفكرة جديدة، ومن الطبيعي أن تكون الماكينة الجديدة بحالة ممتازة ويكون موقع العمل الجديد رائعا وإلا تكون قد قصرتَ في عملك.

التحسين المتطاير

مررتَ بموقع العمل فوجدت أدوات ملقاة، ومواد موضوعة في غير موضعها، وإهمال في التنظيف، فلم يعجبك ذلك فرفعت صوتك وزجرت العاملين وطلبت منهم تنظيف وترتيب المكان، ففعلوا. هل هذا تحسين؟ يمكن أن نعتبر هذا كإصلاح للوضع وليس تحسينا مستديما، فأنت لم تقم بأي أمر يضمن الاستمرار، سَتَمُرُّ ايامٌ وتعود مرة أخرى لتزجرهم.

إذا أردنا للتحسين أن يستمر فلابد من وجود نظام مُعلَن يتم الالتزام به، ففي عملية الترتيب والتنظيف لابد من تحديد موعد يومي للترتيب والتنظيف، ولابد من وجود مراجعة لذلك عن طريق المشرف، أما أنت فسيكون دورك التأكد من تفعيل النظام.

التحسين القسري

حتى مع وضع نظام محدد فسيكون هناك مقاومة للتغيير، فستجد تقاعسا من البعض، وقد يتم تجاهل النظام بعد فترة، ولذلك فإن إدارة التغيير هي أمر مهم لأي مدير. لنفترض أنك وجدت خطأ ما فأصدرت تعليمات مكتوبة بخطوات تمنع تكرار هذا الخطأ، ثم أرسلت هذه التعليمات للعاملين، ماذا تنتظر، عليك أن تنتظر المقاومة، وسوء الفهم، وسوء الظن. ربما سيستجيب البعض ولكن البعض سينفذ التعليمات وهو كاره، والبعض قد يحاول التهرب من التنفيذ.

يمكنك أن تبرئ ساحتك بإصدار التعليمات، ولكن إذا أردت تغييرا حقيقيا فعليك أن تدِيرَ التغيير، وأول مبادئ إدارة التغيير هو الاتصالات، فلا يكفي أن ترسل تعليمات مكتوبة ولكن عليك أن تتواصل مع العاملين إما بنفسك أو عن طريق وسائط مثل مشرفي العمال. عليك أن تشرح لهم المشكلة وأسبابها وما يحققه النظام الذي وضعته، بل والأفضل من ذلك أن تشركهم ولو بقدر ما في وضع هذا النظام. عليك كذلك أن تشجع وتمتدح من يلتزم لكي تشجع غيره على التطبيق، وعليك أن تتابع أي معوقات في التطبيق فتزيلها. التغيير ليس سهلا ومهمتك هي تحقيق التغيير في ارض الواقع وليس إصدار تعليمات.

تحسينات وهمية

كثيرة هي التحسينات الوهمية التي تظهر كتحسينات وهي مجرد خدع وإفساد مثل: التحسينات الظاهرية المؤقتة وقت زيارة المديرين، تحسين بدون دراسة، تحسين اليوم يترتب عليه مشاكل في الغد. أمثلة على ذلك:

  • الحلول التي لا يمكن أن تستمر على المدى البعيد مثل خفض نفقات الصيانة عن طريق عدم القيام ببعض الصيانات المكلوبة فهذا سيبدو على المدى االقصير محمودا ولكن بعد عدة أشهر ستظهر عواقبه الوخيمة، وكذلك تعظيم الربحية عن طريق بيع كل المخزون بأي سعر فهذا سيرفع الربحية هذا العام ولكن سيتبدل الحال في العام التالي.
  • الحلول التي تسبب مشاكل في أماكن أخرى مثل تحسين موقع عمل بنقل نخلفاته لموقع آخر، أو تحسين ماكينة بنقل قطع من ماكينة أخرى فبدلا من توقف الأولى تتوقف الثانية
  • الحلول التي تتم بدون دراسة باستخدام تصميم غير مدروس ومواد غير مناسبة بحيث يبدو الأمر كتحسين لفترة ما ثم تظهر جوانبه السيئة
  • الحلول التي ستوفر بعض التكلفة الظاهرة ولكنها ستسبب تكلفة كثيرة غير ظاهرة، مثل الشراء بكميات كبيرة للحصول على تخفيض فهذا يقلل تكلفة الشراء الظاهرة ولكنه يسبب تكلفة احتفاظ بالمخزون، وكذلك الإنتاج بكميات كبيرة لخفض التكلفة يسبب فوضى في العملية الإنتاجية وطول أوقات تسليم العملاء

تحسينات حقيقية بدون قيادة ترعاها

قد تقوم مع مجموعة العمل بتحسين حقيقي مدروس وترعاه لأيام وتضعه في خطوت العمل القياسية، ثم بعد ذلك تنساه وترى هذا التحسين قد تم إهماله ولا تحرك ساكنا، في هذه الحالة سيضيع التحسين وكأن شيئا لم يكن. الناس أذكياء وبمجرد تقبلك لإهمال التحسين مرة بلا تعليق فهذا يعني أنك لم تكن صادقا في طلبك للتحسين وأنك طلبته بشكل مؤقت لإرضاء مدير ما وقتها.

تصرفات القائد البسيطة يتم ترجمتها عن طريق العاملين، ولذلك فعليك إذا قمت بتحسين حقيقي أن تتابع استمراره، وإذا وضعته في خطوات العمل القياسية وتابعتها وطلبت من المشرفين متابعتها فتكون متابعا لتطبيق أي تحسينات سابقة، فالأمر بسيط ولكنه غاية في الأهمية.

كما ترى فإن الوصول إلى حلول جذرية وبمشاركة من العاملين، ومتابعة التطبيق، وتعديل خطوات العمل القياسية، ومتابعة تطبيقها دائما، كل هذا لابد منه لتحقيق تحسينات مستديمة. يمكنك القيام بتحسينات غير حقيقية أو حقيقية ولكنها غير مستديمة بدون أي من نظريات الإدارة، ولكنك تحتاج تلك النظريات إذا كنت تريد تحقيق تحسين حقيقي مستديم.