منذ زمن بعيد لجأ الحكام لتكوين تحالفات سياسية، فمنها التحالفات السياسية والتى تعد بمثابة رادع ضد المعارضين أو لمواجهة التهديدات الخارجية في عدة جبهات مُختلفة،وعلى سبيل المثال “التحالف المقدس” الذي اجتمعت الكثير من الدول لتشكيله ضد نابليون خلال فترة النزاعات المسلحة، فيما لم يقتصر مفهوم التحالف فقط على الجوانب العسكرية بل هناك الكثير من التحالفات التي تخدم أيضًا مصالح اقتصادية أو سياسية أو استراتيجية وذلك بهد مد السيطرة وتوسيع الإمبراطوريات والحركات الاستعمارية.

مفهوم الأحلاف السياسية

يًعرف التحالف في العلاقات الدولية international political alliances بأنه اتفاق رسمي بين دولتين أو أكثر من أجل الدعم المتبادل في حالة الحرب. وتنُص التحالفات المعاصرة على عمل مشترك من جانب دولتين مستقلتين أو أكثر، وهي ذات طبيعة دفاعية بشكل عام  يلتزم الحلفاء بموجبها بتوحيد القوى في حالة تعرضت دولة أو أكثر لهجوم من قبل دولة أو تحالف آخر.

ويمكن التأكيد على أن هذه التحالفات تكتسب صفة رسمية من خلال توقيع معاهدة تشمل على كافة البنود التي تحدد الظروف التي تلتزم فيها كل طرف الحليف بالمساعدة الأخر.

وغالباً تنشأ التحالفات من محاولات الدول للحفاظ على توازن القوى بين عدد من البلدان متوسطة الحجم ، فأنه لا توجد دولة واحدة قادرة على إقامة هيمنة دائمة على جميع الدول الأخرى.

أهم التحالفات العسكرية في القرن الـ 19

وفي أواخر القرن التاسع عشر تم الوصول إلى مستوى جديد من بناء التحالفات في أوروبا عندما استقطبت العداء بين ألمانيا وفرنسا أوروبا إلى تحالفين متنافسين بحلول عام 1910 ، كانت معظم الدول الكبرى في أوروبا تنتمي إلى واحدة أو أخرى من هذه التحالفات المتعارضة العظيمة: القوى المركزية ، التي كان أعضاؤها الرئيسيون المانيا والنمسا والمجر ، والحلفاء ، المكونون من فرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى.

كان لهذا النظام ثنائي القطب تأثير مزعزع للاستقرار ، لأن الصراع بين أي عضوين في الكتل المعارضة حمل تهديد الحرب العامة في نهاية المطاف ، فعلى سبيل المثال أدى النزاع بين روسيا والنمسا والمجر في عام 1914 إلى جذب زملائهم أعضاء الكتلة إلى الصراع العام الذي أصبح يعرف باسم الحرب العالمية الأولى (1914-1918). وتم تحديد نتيجة الحرب بشكل فعال عندما تخلت الولايات المتحدة عن عزلتها التقليدية وانضمت إلى جانب الحلفاء في عام 1917 كواحدة من “القوى المرتبطة”.

سعى المنتصرون المتحالفون إلى ضمان سلام ما بعد الحرب من خلال تشكيل عصبة الأمم ، التي عملت بمثابة اتفاقية أمنية جماعية تدعو إلى عمل مشترك من قبل جميع أعضائها للدفاع عن أي فرد أو أعضاء ضد المعتدي.

أصبحت عصبة الأمم غير فعالة بشكل واضح بحلول منتصف الثلاثينيات ، ومع ذلك ، بعد أن رفض أعضاؤها استخدام القوة لوقف الأعمال العدوانية من قبل اليابان وإيطاليا وألمانيا.

سرعان ما شكلت هذه البلدان الثلاثة تحالف المحور ، وهو تحالف هجومي تنافس على الهيمنة العالمية في الحرب العالمية الثانية مع تحالف دفاعي بقيادة بريطانيا العظمى وفرنسا والصين ، بداية من عام 1941 ، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. مع هزيمة قوى المحور في عام 1945 ،

شكل الحلفاء المنتصرون الأمم المتحدة ، وهي منظمة عالمية مكرسة لمبادئ الأمن الجماعي والتعاون الدولي. ومع ذلك ، تعاقدت الأمم المتحدة بشكل غير فعال مع التحالفات العسكرية القوية التي شكلتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على أسس أيديولوجية حادة بعد الحرب.

وفي عام 1949 ، انضمت الولايات المتحدة وكندا إلى بريطانيا ودول أوروبا الغربية الأخرى لتشكيل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، وفي عام 1955 شكل الاتحاد السوفيتي وأقماره الصناعية المركزية والشرقية الأوروبية حلف وارسو بعد انضمام ألمانيا الغربية إلى الناتو. انتهى تنافس الحرب الباردة بين هذين التحالفين ، والذي شمل أيضًا منظمات معاهدة أخرى أنشأتها الولايات المتحدة (على سبيل المثال ، منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا ، ومنظمة المعاهدة المركزية ، وميثاق ANZUS) ، بانهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو في عام 1991.

الأحلاف السياسية في المنطقة العربية

ومع بداية اتجاه الكثير من الدول العربية من الحصول على الاستقلال وقيام ثورة 32 يوليو 1952 على يد الضباط الأحرار وحدوث الجلاء البريطاني عن مصر بدأت فكرة القومية العربية التي تزعمها الرئيس السابق جمال عبد الناصر بحيث تكوين تحالف عربي قوي ضد قوى الاستعمار منذ بداية الثورة وحتى عام .1955

أما بعد هزيمة الدول العربية في حرب فلسطين هبت رياح التنافس والانقسام والتصارع على العالم العربي وانعكست هذه الحالية أيضاً على الجامعة العربية والتي كانت تعني بلم شمل الدول العربية والتقريب فيما بينهم والتعاون والتنسيق والنظر بصفة مستمرة في شئون البلاد.

كانت في ذلك الوقت التي تم إنشائها فيه منذ برتوكول الإسكندرية 25 سبتمبر – 7 أكتوبر سنة 1944 على 7 دول عربية مستقلة وهي “مصر والسعودية والعراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن واليمن” والتي فتحت أبوابها أمام أي دولة عربية تحصل على استقلالها للانضمام إلي عضويتها وفي المقابل أيضاً من حق الدول الأعضاء الانسحاب من الجامعة بشرط إبلاغ مجلس الجامعة قبل الانسحاب بعام.

وكما ذكرنا أعلاه أن حالة الهزيمة أثرت على العلاقات العربية وعلى حالة جامعة الدول العربية والتي انقسمت إلى تكتل وأحزاب ، فالهاشميون يسعون إلى تحقيق مصالحهم من خلال توطيد علاقتهم ببريطانيا ولو على حساب العرب ، فيما حدث أيضاً تناقض بين اتجاهين الملكية والجمهورية في لبنان وسوريا، كل هذه الصراعات أدت في النهاية إلى تراجع الفكرة القومية العربية وبدأت الأذهان تنصرف عن الأحلاف والتكتلات السياسية أو حتى المعركة من أجل تحرير فلسطين وبدأت كله دولة تنشغل بتنظيم شئونها الداخلية فيما انشغل الحكام بتثبيت مراكزهم وأركان حكمهم.

وفي ذلك الحين حاولت السياسة الخارجية المصرية بقيادة جمال عبد الناصر من ضم السودان إلى مصر ولكن الاستفتاء نتج عنه تصويت السودانيين لصالح الاستقلال والانفصال عن مصر وتم ذلك سنة 1954 وبالفعل بعدها انضمت السودان إلى جامعة الدول العربية وجاءت النتيجة مخيبة بآمال المصريين في تحقيق وحدة النيل وكان ذلك السبب الأبرز في تركيز اهتمام عبد الناصر على مكافحة الاستعمار وتحقيق الوحدة العربية كما جاء في دستور المصري 1956 بـ “أن مصر دولة ذات سيادة وهي جزأ لا يتجزأ من العالم العربي”.

حركة عدم الانحياز

هو الاتجاه الذي اتخذه عبد الناصر بعد الجلاء البريطاني بعدم الارتباط بأى حلف والدفاع المشترك في عام 1954

وكانت هذه الحركة تخطو خطواتها الأولي والتي تزعمتها “الهند” وهي الحركة التي وجدت فيها ضالته والتي ستمكنه من تحقيق أهدافه وإبعاد العالم العربي عن السيطرة الأجنبية وبذلك يمكن لمصر تحقيق الوحدة العربية، واشترك عبد الناصر في عدة مؤتمرات لحركة عدم الانحياز أهمها مؤتمر باندونج والذي عقد عام 1955 بحضور 20 دولة والتي كانت تحصل على معونات اقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية .

فقد أصبح عبد الناصر أحد أقطاب حركة عدم الانحياز الحياديين، كما استهدف عبد الناصر مقاومة تيارات التحالفات والتكتلات التي بدأت في الظهور في العالم العربي من خلال تكوين العراق وتركيا لحلف بغداد والذي يخدم المصالح البريطانية الغربية.

فقد انقسمت الدول التي شاركت في مؤتمر باندونج إبريل 1955 إلى اتجاهين هما :

  • الاتجاه الأول: تزعمه نهرو وكان ينادي برفض دوران أي دولة من دول العالم الثالث في فلك أي من المعسكرين الغربي أو الشرقي.
  • الاتجاه الثاني : تزعمته بعض الدول منها العراق ولبنان والفلبين، والذي أعلن فيه ممثل العراق فاضل الجمالي ” أنه لا مناص أمام الدول الصغرى من أن تتحالف عسكرياً مع الدول الكبرى لضمان سلامتها فيما يمكنها أن تتبع في نفس الوقت سياسة غير منحازة.

ويمكن استخلاص أن قرارات مؤتمر عدم الانحياز قد صاغت مفهوم جديد وهو الاستعمار الجديد  Neo- colonization ، على الرغم من أنها لم تقدماً مفهوماً جديداً إلا انه يشير إلى معني وهو امتداد الاستعمار التقليدي الذي اتخذ صورة جديدة أما لأنه ضعف أمام حركات التحرير أو حتى يتوائم مع الظروف والاتجاهات الجديدة في العلاقات الدولية وهذه الحركة سرعان ما أخفق وذلك يرجع لسببين أولاً العنصر  التأسيسي وثانياً عدم وجود قوة اقتصادية تساعد التحالف وتزيد من قوته.

وفي عام 1962 دعا مؤتمر بلجراد إلى إنشاء منظمة دولية تتولي تنظيم العلاقات بين دول عدم الانحياز بل وإنشاء منظمة دولية تتولى الجانب الاقتصادي لتلك الدول ولكن هذه الفكرة لم تلقى ترحيباً من الكثير وعلى رأسهم جمال عبد الناصر.

حلف بغداد

وفي هذا الأثناء في منتصف الخمسينيات كان هناك تيار آخر مناقض لتيار عدم الانحياز هو حلف بغداد وهو التيار الذي يوافق على إقامة الأحلاف والانضمام إليها ، وفي هذه الفترة بدأ فيها الاتحاد السوفيتي يحاول الدخول في مناطق متعددة من العالم وبوصول أيزنهاور إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض 1953 وتبينه للسياسة المُقدسة”سياسة ملء الفراغ”.

ظهرت فكرة الحزام الشمالي وهي فكرة تطويق الاتحاد السوفيتي من خلال تكوين حلف جديد في المنطقة يشمل كلاً من “العراق وتركيا وإيران وباكستان” وظلت العضوية مفتوحة أمام دول الشرق الأوسط، وجاء هذا التحالف ضمن سياسة أمريكا لوقف تحركات الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط ومحاولة منها للسيطرة على مصادر النفط في الخليج العربي.

وقد انتهى أثر حلف بغداد على العلاقات الدولية في الوقت الراهن حيث قلت أهمية الأحلاف في الإستراتيجية الأمريكية كوسيلة للاحتواء المد الشيوعي أو ملء الفراغ واستعاضت الولايات المتحدة عن الأحلاف بقوات الانتشار السريع.