تعتبر التفكيكية من أهم النظريات الحديثة في نقد الأدب العربي، ولها جذور في مفهوم مارتن هايدغر عن التدمير. وتم تبني المفهوم من قبل العديد من المنظرين النسويين الفرنسيين كطريقة لجعل التحيز الذكوري العميق جزءًا لا يتجزأ من التقليد الفكري الأوروبي.

مفهوم التفكيكية

على الرغم من أن التفكيك له جذور في مفهوم مارتن هايدغر عن التدمير، فإن التفكيك ليس للتدمير. التفكيكية هي دائمًا حركة مزدوجة للتأكيد والتراجع المتزامنين.

حيث أنّها بدأت كوسيلة لقراءة تاريخ الميتافيزيقيا؛ ولكن سرعان ما تم تطبيقها على تفسير النصوص الأدبية، والدينية، والقانونية، وكذلك النصوص الفلسفية.

التفكيكية هي، شكل من أشكال التحليل الفلسفي والأدبي، المستمدة بشكل رئيسي من العمل الذي بدأ في الستينيات من قبل الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، الذي يشكك في الفروق المفاهيمية الأساسية، أو المعارضة في الفلسفة الغربية، من خلال فحص دقيق للغة ومنطق الفلسفية والأدبية النصوص.

في السبعينيات تم تطبيق المصطلح على العمل من قبل ديريدا، وبول دي مان، وجيه هيليس ميللر، وباربرا جونسون، من بين علماء آخرين.

في الثمانينيات، حددت بشكل فضفاض أكثر نطاقًا من المشاريع النظرية الراديكالية في مجالات متنوعة من العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، بالإضافة إلى الفلسفة والأدب، القانون، والتحليل النفسي، و

مفهوم التفكيكية في الفلسفة

إن التفكيكية هي تفكيك النص على طول الخطوط الهيكلية، التي خلقها الغموض الكامن في واحد، أو أكثر من مفاهيمها، أو مواضيعها الرئيسية؛ من أجل الكشف عن المراوغات أو التناقضات التي تجعل النص ممكنًا.

على سبيل المثال، في “صيدلية أفلاطون”، يحل دريدا تفكيره في انتقاد سقراط للكلمة المكتوبة، بحجة أنها لا تعاني فقط من التناقضات الداخلية بسبب القياس الذي صنعه سقراط نفسه بين الذاكرة والكتابة. ولكن يقف أيضًا في تناقض صارخ مع حقيقة أن تأتي أفكاره إلينا فقط من خلال الكلمة المكتوبة التي استخف بها.

الحركة المزدوجة هنا هي واحدة من تتبع هذا التوتر في نص أفلاطون، وفي القراءة التقليدية لذلك النص، مع الاعتراف في الوقت نفسه بالطرق الأساسية التي يعتمد بها فهمنا للعالم على موقف سقراط تجاه الكلمة المكتوبة.

يشير دريدا إلى تناقضات مماثلة في المناقشات الفلسفية للمقدمة، وإطار الصورة، وهما في نفس الوقت داخل وخارج الأعمال المعنية قيد النظر.

نظرًا لأن التمييز بين ما بداخل النص، أو الرسم، وما هو بالخارج الذي يمكن تفكيكه وفقًا لنفس المبادئ، فإن التفكيك حركة تاريخية تفتح النصوص لظروف إنتاجها، ونصها بمعناها الواسع للغاية، بما في ذلك ليس فقط الظروف والتقاليد التاريخية التي نشأت منها، ولكن أيضًا الاتفاقيات والفروق الدقيقة في اللغة التي كُتبت بها وتفاصيل حياة مؤلفيها.

وهذا يولد تعقيدًا لا نهائيًا بشكل فعال في النصوص يجعل أي قراءة مفككة بالضرورة جزئية وأولية.

رائد التفكيكية جاك دريدا

كان جاك دريدا (1930-2004) مؤسس التفكيكية، وهي طريقة لانتقاد ليس فقط النصوص الأدبية والفلسفية ولكن أيضًا المؤسسات السياسية.

على الرغم من أن ديريدا أعرب في بعض الأحيان عن أسفه فيما يتعلق بمصير كلمة التفكيكية، إلا أن شعبيتها تشير إلى التأثير الواسع النطاق لفكره، في الفلسفة، في النقد والنظرية الأدبية، في الفن، وعلى وجه الخصوص، النظرية المعمارية، وفي السياسة النظرية.

في الواقع، وصلت شهرة ديريدا إلى مكانة النجم الإعلامي، حيث شغل مئات الأشخاص القاعات لسماعه يتحدث، مع أفلام وبرامج تلفزيونية مخصصة له، مع عدد لا يحصى من الكتب والمقالات المخصصة لتفكيره. إلى جانب النقد، يتألف التفكيك الدريدي من محاولة لإعادة تصور الاختلاف الذي يقسم الوعي الذاتي.

ولكن حتى أكثر من إعادة تصور الاختلاف، وربما الأهم من ذلك، محاولات التفكيك لتحقيق العدالة؛ والواقع أن التفكيك لا هوادة فيه في هذا المسعى لأن تحقيق العدالة مستحيل.

مفهوم المنهج التفكيكي

إن التفكيكية منهجٌ فلسفي، يرى أنه لا يوجد تفسير واحد للمعنى في النص، بل تفسيرات غير محدودة، فبعد أن ظهرت التفكيكية إلى الوجود، أصبحت النصوص عُرضةً لنوع جديد من التحليل والتفسير.

التفكيكية مصطلح قدَّمه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في كتابه؛ في علم الكتابة، ومع ذلك لم يُعرِّفه في هذا الكتاب.

وبينما يرى دريدا أن التفكيكية ليست نظريةً، يرى كثيرٌ من النُّقَّاد أنها طريقة جديدة لقراءة النصوص، ونموذج جديد للكتابة.

ويلخِّص لويس تايسون المفاهيم التي تقوم عليها التفكيكية في ثلاث نقاط:

  •  اللغة حركيَّة، وغامضة، وغير مستقرة.
  • الوجود ليس له مركز، وليس له معنى مستقرٌّ، وليس له أرضية ثابتة.
  • البشر ميادين قتال متشظية للأيديولوجيات المتنافسة، وأنه عند تفكيك أي نص، خاصة النصوص الأدبيَّة، يجب التركيز على كشف اللامحدودية “Undecidability” للنص، وكشف العمليات المعقَّدة للأيديولوجيات التي يتركَّب منها النص.

أسس التفكيكية ومرتكزاتها

يحاول دريدا الوصول الى استقرار تموضع في البنية النصية غير المتجانسة؛ حيث يقدم دريدا اسسا لفكرة التفكيك وهي:

الاختلاف

ويرى دريدا أنّ الاختلاف يتطلب إلى وجود تفسيرات متعددة، وهي توحي بوجود حقائق متعددة فضلا عن وجود حقيقة واحدة وتفسير واحد، انطلاقاً من وصف المعنى بالاستفاضة، وعدم الخضوع لحالةٍ مستقرةٍ، ويبين الاختلاف منزلة النصية (Textaulity) في إمكانية تزويدها القارئ بسيل من الاحتمالات، وهذا الأمر يدفع القارئ إلى العيش داخل النـص.

عدمية التمركز

إنّ تقويض التمركز عند دريدا يقود إلى تحطيم كلّ المراكز، وتفكيك أنظمتها بدءًا من مركز كلّ شيء وهو (الإله) وهو سبب مركزي لكل الأحداث، مروراً بمركز الحقيقـة، وانتهاءً بمركز العقلانية، وقصدية دريدا هذه تتجه إلى مبدأ يقتضي عدّ العلامات في حالة حركة مستمرة لانهائية، ومتحررة عن مراكزها، وهذا يؤدي إلى تفعيل نشاط الأزواج المتغايرة، أو الثنائيات المتناقضة.

تقويض الميتافيزيقيا

أعلن دريدا نهاية الميتافيزيقا على غرار مارتن هايدجر، وينتقد دريدا المنطق واللغة والخضور والتمركز العقلاني الذي يشكل معيار الحقيقة والبداهة واليقين.

نقد الهوية والخصوصية والجذور الاصلية

يرفض دريدا التمركز العقلي ويمقت كل انطواء للعرق أو الجذور أو التبجح بالخصوصية والمركزية أو الإيمان بهيمنة عنصر على آخر.

تفكيك مفهوم التاريخ

يرفض دريدا التاريخ الكلاسيكي القائم على الصوت الواحد المهيمن ويدعو الى تاريخانية جديدة متعددة الاصوات، تهتم بالشعوب التي تعيش على الهامش.

تفكيك النصوص والخطابات

يعتمد دريدا آلية التفكيك في تقويض النصوص وتشريح الخطابات، سواء كانت أدبية أو فلسفية، وما يهم دريدا في القراءات التي يحاول إقامتها ليس النقد من الخارج وانما الاستقرار او التموضع في البنية غير المتجانسة للنص.

تعدد اللغات والمعاني والنصوص

دريدا يعرف التفكيك بأنها لا تؤمن بلغة واحدة وتؤمن بلغات متعددة عبر آليات الاختلاف والتناقض والحوار.