لقد مر على تاريخ الأمة العربية والإسلامية في العصر الحديث عدد كبير من القادة الأبطال والرجال الذين قد حملوا راية النصر وتناقلوها جيلًا بعد جيل ، ويُعد الرئيس المصري محمد حسني مبارك واحدًا من أبرز وأهم القادة في تاريخ مصر وفي تاريخ الأمة العربية بأكملها ، والذي قد حقق عدد لا حصر له من الإنجازات سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو المدني .

نشأة الرئيس محمد حسني مُبارك

ولد الرئيس المصري محمد حسني مبارك في الرابع من شهر مايو عام 1928م في قرية كفر المصيلحة التابعة إلى مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية في جمهورية مصر العربية ، في أسرة مصرية بسيطة ، وتخرج من مدرسة المساعي المشكورة الثانوية الكائنة في شبين الكوم ، وتزوج من السيدة سوزان مبارك عام 1959م وأنجب ولدان هما علاء وجمال مبارك .

وقد التحق بعد ذلك بالكلية الحربية وتمكن من الحصول على درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية في شهر فبراير عام 1949م وحمل حينذاك لقب ملازم أول ، وقد التحق أيضًا بسلاح المشاة ، وعندما أعلنت كلية الطيران في مصر فتح باب القبول لتخريج دفعة جديدة بها من الطلبة الحاصلين على درجة البكالوريوس من الكلية الحربية ، تقدم الرئيس مبارك للالتحاق بها ، وتمكن من اجتياز الاختبارات ، وبذلك تمكن من أن يحصل على بكالوريوس علوم الطيران من كلية الطيران والكلية الجوية عام 1950م .

ولم تتوقف المسيرة العلمية للرئيس المصري محمد حسني مبارك عند هذا الحد ؛ بل قد تمكن من أن يحصل على بعض الدراسات العليا في العلوم العسكرية في جامعة فرونز العسكرية الشهيرة التي كانت في هذه الفترة تقع في حيز الاتحاد السوفيتي .

وظائف ومناصب الرئيس مبارك

لقد تدرج الرئيس المصري مبارك رحمه الله في الوظائف العسكرية المختلفة إلى أن وصل إلى منصب رئيس الجمهورية على النحو التالي :

-تم تعيينه بعد التخرج مباشرةً في شهر مارس عام 1950م في القوات الجوية بالعريش وانتقل بعد ذلك في عام 1951م إلى التدريب على المقاتلات الحربية في مطار حلوان واستمر في هذا العمل حتى مطلع عام 1953م ، وبعد ذلك انتقل إلى كلية الطيران وعمل مدرسًا بها ونظرًا إلى فطنته ومهارته ترقى إلى مساعد أركان حرب ثم أركان حرب وقائد سرب بالكلية واستمر ذلك حتى عام 1959م .

-سافر مبارك إلى عدد من البعثات العلمية في مختلف الدول ، وفي الخامس من شهر يونيو عام 1967م تم تعيينه قائدًا لقاعدة بني سويف الجوية ثم مديرا للكلية الحربية في نفس العام ، وكان ذلك في سنوات النكسة والهزيمة المصرية التي تلتها حرب الاستنزاف ، وقد تم ترقية مبارك إلى رتبة عميد عام 1969م ، وبعد ذلك شغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية وقائد للقوات الجوية في عام 1972م وفي هذا العام انتقل إلى منصب آخر وهو نائب وزير الحربية .

دور الرئيس مبارك في حرب أكتوبر

بعزيمة الرجال وقوة الأبطال ؛ لعب الرئيس مبارك دورًا هامًا ومحوريًا وبارزًا في حرب أكتوبر المجيدة التي أعادت العزة والكرامة إلى الأمة العربية بأكملها تحت قيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات وهي حرب السادس من أكتوبر عام 1973م ؛ حيث كان مبارك قائدًا للقوات الجوية حينذاك وهو صاحب أول ضربة جوية حربية أصابت مواقع العدو بالخلل والاضطراب وفتحت الطريق أمام الجنود المصريين من أجل أن يقوموا بمباغتة العدو الصهيوني الغاشم ومحاصرته وملاحقته والانتصار عليه .

وبعد ذلك تمت ترقية مبارك إلى رتبة فريق طيار وكان ذلك تحديدًا في شهر فبراير عام 1974م ، وقد شهد يوم الخامس عشر من شهر إبريل عام 1975م نقلة أخرى في حياة الرئيس مبارك ؛ حيث قد قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتعيينه كنائب له أي نائب لرئيس الجمهورية ، وظل مبارك في هذا المنصب حتى عام 1981م ، وقد قام السادات بتعيين مبارك نائبًا له أيضًا في رئاسة الحزب الوطني الديمقراطي .

وخلال فترة شغله لمنصب نائب رئيس الجمهورية ، قام مبارك بعدد كبير من الجهود والمهام على المستوى العربي والدولي عبر عدد كبير من الزيارات وتوطيد العلاقات مما ساعد في دعم وتعزيز وتحسين علاقة مصر مع عدد كبير من الدول .

ونظرًا إلى الإنجازات غير المسبوقة والمهام الصعبة والجريئة التي قام بها مبارك في تاريخه العسكري ؛ تم تقليده عدد كبير من النياشين والأوسمة  وحصل على عدد كبير من الهدايا والجوائز من مصر ومن كافة بلدان العالم .

تولي مبارك رئاسة مصر

وفي عام 1981 وأثناء إقامة الاحتفالات بانتصارات أكتوبر ؛ قامت الأيدي الغاشمة الإرهابية الظالمة باغتيال الرئيس السادات رحمه الله ، وإثرًا على ذلك تم ترشيح الرئيس محمد حسني مبارك ليكون هو رئيس جمهورية مصر العربية بعدما رشحه مجلس الشعب وقام بعمل استفتاء شعبي لتوليه الرئاسة ليكون بذلك الرئيس الرابع في تاريخ مصر ، وقد شهدت مصر منذ ذلك التاريخ نقلة أخرى غير مسبوقة في تاريخها على كافة المستويات ، وقد تم انتخاب الرئيس مبارك أيضًا عام 1982م كرئيس للحزب الوطني الديمقراطي خلفًا للرئيس السادات رحمه .

وفي عهد مبارك تمكنت جمهورية مصر العربية من تحقيق السيادة الكاملة على أراضيها ؛ حيث قد استند الرئيس مبارك إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ودخل في عدد كبير من المفاوضات إلى أن قدر له الخالق عز وجل أن يكون سببًا في استعادة طابا وسيناء كاملة ورفع مبارك العلم المصري مرفرفًا خفاقًا على أرض سيناء .

أهم إنجازات الرئيس مبارك

لقد عكف الرئيس محمد حسني مبارك على أن يعبر بمصر من عصر الأزمات وعدم الاستقرار إلى عصر الأمن والسلم والاستقرار والتقدم ، ولذلك ؛ فإن جمهورية مصر العربية قد شهدت عدد لا حصر له من الإنجازات في عهد الرئيس مبارك ، ومن أبرزها ما يلي :

-حرص الرئيس مبارك من أول يوم تولى فيه حكم مصر أن يكون ندًا للإرهاب حتى تمكن من أن يقضي على جزء كبير جدًا من براثن الإرهاب المتغلغلة في الدولة المصرية .

-عمل مبارك على تطوير التعليم وفي إطار ذلك تم بناء عدد لا حصر له من المدارس والجامعات الجديدة في عهده وبناء عدد كبير من المكتبات العامة وتطوير مكتبة الإسكندرية وغيرها من وسائل العلم والثقافة .

-كما قد أرسى التنمية العامة والشاملة داخل الدولة وعمل على تحسين وبناء البنية التحتية مما ساعد على إزالة آثار الحرب والدمار التي كانت قد لحقت بمصر نظرًا إلى تعرضها إلى الحروب والعدوان في الفترة التي سبقت نصر أكتوبر المجيد .

-ولقد شهدت مصر في عهد الرئيس مبارك أيضًا تطويرًا سياحيًا غير مسبوق ؛ حتى أن السياحة أصبحت في عهده واحدة من أبرز وأهم مصادر الدخل القومي ووسيلة أكثر من رائعة لتوفير فرص العمل للشباب .

-ولقد تم في عهد الرئيس مبارك أيضًا إنشاء شبكة مترو الأنفاق في القاهرة والجيزة والتي قد تم وصفها حينذاك بأنها أفضل شبكة مترو أنفاق في أفريقيا بأكملها .

-حرص مبارك على حل مشكلة الإسكان من خلال إقامة عدد كبير من المشروعات التنموية والسكنية مثل إسكان مبارك للشباب وغيرها من المشاريع الأخرى .

-يُعد الرئيس مبارك هو من قام ببناء مصر الحديثة ؛ حيث قد تم في عهده إقامة عدد كبير من المدن الجديدة مثل مدينة السادس من أكتوبر والشيخ زايد وغيرهم إلى جانب تنمية شرم الشيخ والغردقة وغيرهم من المدن والمحافظات الأخرى .

-الرئيس مبارك هو أول رئيس مصري منتخب ؛ حيث أنه هو من قام بتعديل الدستور المصري والذي يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية من قِبل الشعب المصري بحرية .

-تم في عهد الرئيس مبارك أيضًا بناء مستشفى سرطان الأطفال وتطوير استاد القاهرة بشكل غير مسبوق وترميم الآثار والمتاحف المصرية وبرج القاهرة وغيرهم من العالم الهامة والأثرية .

-حينما تسلم الرئيس مبارك مقاليد حكم مصر ؛ كانت الدولة تُعاني من اضطراب العلاقات بينها وبين عدد كبير جدًا من الدول الأخرى العربية والأجنبية ؛ وهذا ما حرص الرئيس مبارك على دحضه وتمكن من إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع كافة الدول العربية والأجنبية .

-حرص الرئيس مبارك على إدخال أحدث التقنيات إلى جمهورية مصر العربية وقد ظهر ذلك في انتشار وسائل الاتصالات والهواتف الأرضية والمحمولة في كل مكان داخل الدولة وإدخال خدمات الإنترنت أيضًا وغيرها من الخدمات الهامة .

-حرص مبارك أيضًا على بناء اقتصاد مصري قوي وخفض نسبة الدين العام ونسب العجز والتضخم وقد سجل الدولار في عهد الرئيس مبارك قيمة متدنية كانت لا تتخطى الـ 5 جنيهات .

-ولا يُمكن أن يغفل كائنًا من كان على أن الرئيس مبارك قد عمل على بناء الجيش المصري وتسليحه بأهم وأقوى الأسلحة ليكون واحدًا من أفضل وأقوى الجيوش على مستوى العالم ، فضلًا عن أنه قد جنب شعبه ووطنه ويلات الحروب وحافظ على الأمان والاستقرار طوال ثلاثة عقود تولى بها حكم مصر .

-لعب مبارك جهودًا كبيرة من وقد يد العون إلى الكثير من الدول العربية ومن أبرز الأمثلة على ذلك دورها الهام والمحوري في تحرير دولة الكويت ودعمه الدائم والمتصل للقضية الفلسطينية وتحيزه الدائم إلى الأمة العربية .

إلى جانب المزيد من الإنجازات الأخرى الهامة والمجهودات الوطنية الجبارة التي قام بها الرئيس مبارك قبل وأثناء توليه رئاسة جمهورية مصر العربية .

صعوبات في حياة مبارك

تعرض الرئيس مبارك إلى عدد كبير من الصعوبات والنقاط المحورية والفاصلة في حياته ولكنه تمكن من مواجهة كل تلك الأزمات بصبر وعزيمة وقوة الرجال والأبطال ، مثل :

-تعرض مبارك إلى الأسر حينما كان لا زال رئيس أركان حرب الكلية الجوية عندما اضطر إلى الهبوط بطائرته في المغرب إبان الحرب القائمة حينذاك بين المغرب والجزائر .

-تعرض مبارك إلى فقدان حفيده الأول محمد علاء محمد حسني مبارك إثر تعرضه إلى أزمة صحية مفاجئة أودت بحياته .

-تعرض مبارك إلى عدد كبير من محاولات الاغتيال أشهرها محاولة اغتياله في أديس أبابا.

-كما قد تعرض إلى العديد من الأزمات والصعوبات منذ يناير 2011م ولكنه قد واجهها بقوة وجسارة وعزيمة الرجال.

مبارك وأحداث يناير

في مطلع عام 2011 شهدت مصر أحداث مؤسفة ولم يكن من مبارك إبان تلك الأحداث إلّا أن قام بالتخلي عن السلطة بمحض إرادته وتفويض المجلس العسكري المصري لإدارة شؤون البلاد من أجل الحفاظ على الوطن ومقدراته وحمايته وقد تم اتهامه بالكثير من القضايا وتم تبرئته منها .

وفاة الرئيس مبارك

بقلوب دامية يعتصرها الحزن والألم ؛ ودع الشعب المصري قائده المحارب محمد حسني مبارك في يوم الخامس والعشرين من شهر فبراير لعام 2020م ، ولقد تم إقامة جنازة عسكرية تقدمها كافة رؤساء وحكام الدول العربية والأجنبية .