تمثل عملية توزيع السكان على اليابسة أي الأرض أهمية كبرى، حيث أن اليابسة هي جزء من القشرة الأرضية الخارجي غير المُغطى بالمياه، وتقترب مساحتها من مئة وخمسين مليون كيلو متر مربع، أي ما يعادل قرابة ثلاثين بالمئة من إجمالي مساحة سطح الكرة الأرضية.

وعلى الرغم من أن المساحة التي تصلح لتواجد الإنسان عليها من سطح الكرة الأرضية تُقدر نسبتها بثلاثين بالمئة فقط، وتلك المساحة غير مُحتلة بشكل كامل من قبل الإنسان نظرًا للعديد من العوامل التي يُطلق عليها اسم العوامل المؤثرة في التوزيع السكاني.

توزيع السكان

تسهم الكثير من العوامل في توزيع السكان عن طريق تغيير كثافة السكان من منطقة إلى منطقة أخرى، وهذا يؤدي إلى إيجاد مناطق مُكتظة بالسكان وأخرى خالية، ومن بين تلك العوامل :

ـ العوامل الطبيعية، والتي يقصد بها القرب والبُعد عن مصادر المياه والثروات المعدنية والأنشطة الإنسانية الهامة، حيث تُسهم تلك العوامل بشكل كبير في تغيير الكثافات السكانية بين مناطق العالم المختلفة، فالناس إجمالًا يمليون إلى الاستقرار في المناطق التي يمكنهم فيها البدء بأنشطتهم المختلفة والتي توفر لهم حاجاتهم الأساسية دون عناء يُذكر، وهذا يفسر ارتفاع نسب الكثافة السكانية في المناطق التي تتوفر فيها العوامل الطبيعية بكثرة.

ـ طبيعة التضاريس، تختلف التضاريس الأرضية من منطقة إلى أخرى، حيث أن بعض المناطق تمتاز بكثرة الجبال بها، وبعض المناطق تمتاز بانخفاضها، والبعض الآخر من الممكن أن يُطلق عليها اسم مناطق سهلية بامتياز، ذلك لأن اختلاف التضاريس كفيل بتغيير نسب الكثافة السكانية من منطقة إلى منطقة أخرى.

ـ طبيعة المناخ، تختلف طبيعة المناخ باختلاف المواقع الجغرافية للمُستوطنات الإنسانية، وهذا يساعد على تغيير نسب الكثافات السكانية بين مناطق الأرض المختلفة، حيث أن الناس بشكل عام يفضلون العيش في المناطق التي تمتاز بمناخاتها المُعتدلة.

يلعب المناخ دورًا رئيسيًا في تحديد خصائص التربة والغطاء النباتي والحيواني في أي منطقة، حيث أن هطول الأمطار ودرجات الحرارة المناسبة أدت إلى قيام الحضارات في مختلف العصور، ولذلك فأن هناك بعض المناطق الجغرافية لا يسكنها سوى عدد قليل من السكان، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير بما يرافقها من ارتفاع الرطوبة، أو انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير، حيث أنه في كلتا الحالتين تزداد نسبة الإصابة بالأمراض بين الحيوانات والإنسان.

ـ الكوارث الطبيعية ، وهي تشمل كل من البراكين والزلازل والتسونامي والفيضانات وغيرها من الكوارث التي من شأنها أن تسهم في هجرة الناس من أراضيهم الأصلية والانتقال إلى أراضي أخرى حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقت.

ـ العوامل البشرية ، ويُعد هذا العامل من أهم العوامل التي تدفع بعض الناس إلى الهجرة من مواطنهم الأصلية إلى المواطن التي ينتشر فيها التقدم والتطور والرخاء، حيث يُفضل سكان العالم الهجرة إلى المناطق الغربية، وتحديدًا الدول الأوروبية والولايات المُتحدة الأمريكية لسهولة العيش بها.

ـ المياه، حيث أن توفر المياه من الضرورات لاستقرار الإنسان والحيوان، ولذلك تتركز الكثافة السكانية حول أحواض المياه كالأنهار والبحار والبحيرات والمناطق التي تتساقط فيها الأمطار بغزارة، بينما المناطق التي تعاني من انخفاض الأمطار فيها فأنها لا توفر بيئة مناسبة للاستقرار الحياتي.

ـ الحروب والنزاعات السياسية، تُعد الأحداث السياسية من أهم العوامل البشرية الرئيسية التي تؤثر على التواجد السكاني في منطقة معينة، حيث أن المناطق التي تحدث فيها الأحداث السياسية وتُسبب اقتتالًا يهاجر سُكانها إلى الدول الأخرى طلبًا للأمن لهم ولأسرهم، وهذا ما يفسر أن توزيع السكان يبقى مُختلفًا حتى بعد الانتهاء من الأزمات.

ـ العوامل الاقتصادية، تعتبر تلك العوامل مهمة جدًا في تحديد توزيع السكان، حيث يتوفر السكان في الأماكن التي يمكن لهم العمل بها وتأمين متطلبات الحياة، ولذلك يهاجر الكثير من السكان  من المناطق الريفية والمناطق الفقيرة إلى المناطق المدنية والأكثر قوة اقتصادية.

أهمية دراسة التوزيع السكاني

السكان هم المحور الأساسي الذي تدور حولهم اهتمامات الدول ودراساتها، لأنهم هم من يقومون بتنميتها وتطويرها وإحيائها فالدولة بلا سكان ليست دولة، ونظرًا لأن توزيع السكان داخل الدولة يرتبط بالعديد من العوامل، فأن دراسة توزيع السكان على المناطق الجغرافية من الدراسات المهمة للدول، ذلك لأنها تعكس أماكن تركز السكان وارتفاع الكثافة السكانية .

وتحديد مناطق القوة ومناطق الضعف، فهذا من شأنه أن يساعد على وضع الخطط الإستراتيجية المناسبة لإعادة توزيع السكان على مناطق الضعف، ويزيد من قوة الدولة اقتصاديًا باستغلال جميع المناطق فيها، وحمايتها عسكريًا أمام أي هجوم خارجي.