تنتمي الغواصات إلى السفن البحرية ولكن تتميز عن غيرها من السفن بأن لها القدرة على الغوص تحت الماء وكذلك السير على سطح الماء وهذه قدرة فريدة بين السفن الحربية ، كما تختلف الغواصات تمامًا في التصميم والمظهر عن بقية السفن البحرية السطحية .
لقد كانت الغواصات بمثابة سلاحاً أساسياً في العديد من الحروب ، على سبيل المثال قد تم استخدام الغواصات بشكل رئيسي في الحرب البحرية خلال الحرب العالمية الأولى عندما استخدمتها ألمانيا لتدمير السفن التجارية السطحية ، حيث تم استخدام الأسلحة الأساسية للغواصات وهي عبارة عن صواريخ ذاتية الدفع تحت الماء تعرف باسم الطوربيد .
لقد شاركت الغواصات أيضاً ولكن على نطاق أوسع في الحرب العالمية الثانية وذلك في المحيط الأطلسي حيث استخدمتها ألمانيا ، وأيضاً في المحيط الهادئ حيث تم استخدامها من قبل الولايات المتحدة ، وفي عصر الستينيات تم استخدام الطاقة النووية لتشغيل الغواصات وذلك من أجل إبقائها تحت سطح الماء لمدة طويلة وأيضاً تم استخدام الطاقة النووية من أجل إطلاق الصواريخ النووية بعيدة المدى ومن ذلك الوقت وأصبحت الغواصات النووية عنصرًا رئيسيًا في الحرب البحرية ، وفيما يلي تاريخ تطور الغواصات حتى الوقت الحاضر .
بداية نشأة الغواصات
عند دراسة تاريخ ظهور الغواصات نجد أن الغواصات ظهرت لأول في عام 1578 عن طريق عالم الرياضيات البريطاني ويليام بورن ، حيث أنشأ بورن قاربًا مغلقًا تمامًا يمكن غمره وتجديفه تحت الماء ، وقد كان هذا القارب مصنوع من الخشب المغطى بالجلد المقاوم للماء ، وكان من المقرر أن يتم غمره باليد في الماء لكن التجربة لم تتم وتوقف بورن عن العمل .
في عام 1620 بدء المخترع الهولندي كورنيليس فان دريبل في بناء أول غواصة في التاريخ حيث نجح في غمر غواصته على أعماق تتراوح من 12 إلى 15 قدمًا أو من أربعة إلى خمسة أمتار تحت سطح الماء في نهر التايمز في إنجلترا ، وتشبه غواصة دريبل تلك التي اقترحها بورن في أن هيكلها الخارجي يتألف من جلد فوق إطار خشبي مع بعض المجاذيف الممتدة من خلال الجوانب ولها غطاء جلدي وذلك من أجل توفير وسيلة دفع على السطح وتحت الماء .
تم تصميم عدد من الغواصات في السنوات الأولى من القرن الثامن عشر ، وبحلول عام 1727 تم تسجيل أول براءة اختراع عن ما لا يقل عن 14 نوعًا من الغواصات في إنجلترا وحدها .
الاستخدام الحربي الأول للغواصات
تم استخدام الغواصة لأول مرة كسلاح هجومي وذلك في الحرب البحرية خلال الثورة الأمريكية عام 1775 ، حيث تم استخدام غواصة اخترعها طالب من جامعة ييل اسمه ديفيد بوشنيل ، وقد تم صنع هذه الغواصة من الخشب على شكل ثمرة الجوز ، وقد كانت تستخدم الغواصة من أجل الذهاب إرفاق شحنة من البارود في جسم سفن العدو بواسطة جهاز يتم تشغيله من داخل الغواصة مع المغادرة قبل أن ينفجر البارود بواسطة فتيل زمني .
بعد ذلك وفي عام 1800 قام المخترع الأمريكي روبرت فولتون أثناء وجوده في فرنسا ببناء الغواصة نوتيلوس تحت منحة تم أخذها من نابليون بونابرت ، وقد تم صنع هذه الغواصة من صفائح نحاسية تم وضعها فوق ضلوع حديدية ، وتم إضافة شراع لها من أجل توفير القوة لها للدفع على السطح ، واحتوت هذه الغواصة على ما يكفي من الهواء لإبقاء أربعة رجال على قيد الحياة ، بالإضافة إلى وجود شمعتين كانت تحترقان في مدة ثلاث ساعات تحت الماء .
كان الهدف من بناء الغواصة نوتيلوس هو إرفاق شحنة متفجرة في جسم سفن العدو ولكن تم فشل التجربة وتضاءل اهتمام فرنسا بغواصة فولتون وغادر إلى إنجلترا وعرض اختراعه لعدوه السابق ، وفي عام 1805 تم إغراق الغواصة نوتيلوس في اختبار تجريبي ، ثم عاد فولتون مرة أخرى إلى الولايات المتحدة ونجح في الحصول على دعم الكونجرس من أجل سفينة بحرية أكثر طموحًا ، وكانت هذه الغواصة الجديدة تحمل 100 جندي .
الغواصات والحرب الأهلية الأمريكية
بدأت المحاولات الأمريكية في استخدام الغواصات من جديد خلال الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861 ، وكان ذلك عندما لجأت الولايات الكونفدرالية إلى أساليب غير تقليدية وجديدة من أجل التغلب على القوة المتفوقة للبحرية الاتحادية والتي تم فرضها في حصار الموانئ الجنوبية .
في عام 1862 تم الموافقة على تمويل بناء غواصة كونفدرالية أطلق عليها اسم بيونير وهي غواصة بلغ 34 قدمًا وكان يتم قيادتها عن طريق مروحة مدارة باليد يديرها ثلاثة رجال .
كانت الغواصة الثانية التي طورتها المحاولات الأمريكية عبارة عن قارب حديدي بطول 25 قدمًا يتم دفعه بواسطة بطارية ومحركات كهربائية وكانت تدار أيضاً بواسطة مروحة من قبل أربعة رجال ، ولكن غرقت هذه الغواصة دون خسائر في الأرواح في أعالي البحار قبالة خليج موبيل أثناء محاولتها مهاجمة العدو .
كانت الغواصة الثالثة للكونفدرالية الأمريكية عبارة عن غلاية حديدية معدلة يصل طولها إلى 40 قدمًا ، وكان من الممكن أن تسير بسرعة أربعة أميال في الساعة مدعومة بثمانية رجال يحركون محركها ، وكانت أسلحتها تتألف من طوربيد مملوء ببارود حوالي 40 كيلوجرامًا وكان يتم سحبه خلف الغواصة على بعد 200 قدم ، وكانت المهمة الأساسية لهذه الغواصة هي الغوص تحت سفينة حربية للعدو وسحب الطوربيد ضد هيكلها ، وبعد عدة اختبارات ناجحة ، وفي عام 1864 هاجمت الغواصة سفينة حربية في ميناء تشارلستون ، وأدى انفجار الطوربيد إلى تفجير السفينة الحربية للعدو في المياه الضحلة مع فقدان خمسة رجال ولكن تم تدمير الغواصة أيضاً بسبب الانفجار الضخم مع قتل طاقمها بالكامل .
الغواصات في الحرب العالمية الأولى
لقد تم استخدام الغواصات خلال الحرب العالمية الأولى حيث ضمت جميع القوات البحرية الرئيسية غواصات في أساطيلها لكن هذه الغواصات كانت صغيرة نسبيًا واعتبرت ذات قيمة عسكرية مشكوك فيها وكانت مخصصة عمومًا للعمليات الساحلية فقط .
تم استخدام الغواصات بواسطة القوات الألمانية ولكن كانت الغواصات الألمانية مختلفة عن باقي غواصات العدو حيث كانت عبارة عن قوارب تجارية يبلغ طول كل منها 315 قدمًا مع مقصورتين كبيرتين للشحن ، وكان يمكن لهذه الغواصات أن تحمل 700 طن من البضائع بسرعات تتراوح من 12 إلى 13 عقدة على السطح وفي سبع عقد تحت سطح الماء .
كانت غواصات ما قبل الحرب بشكل عام مسلحة بطوربيدات ذاتية الدفع لمهاجمة سفن العدو ، وخلال الحرب تم تجهيز الغواصات أيضًا ببنادق سطح ، وهذا سمح لهم بالاقتراب من سفن العدو التجارية وتدميرها من على السطح ، وكانت معظم الغواصات التي بنتها الحرب تحتوي على مدفع وأحيانًا مدفعين من عيار ثلاث أو أربع بوصات ، وكان الاختلاف المهم في عملية تسليح الغواصات هو الغواصة المعدلة لوضع الألغام أثناء المهام السرية قبالة موانئ العدو حيث قام الألمان ببناء عدة غواصات متخصصة حملت بعض العديد من الألغام بالإضافة إلى الطوربيدات .
الغواصات في الحرب العالمية الثانية
استمر الاهتمام بتطوير الغواصات خلال الفترة بين الحربين العالمية الأولى والثانية حيث قامت بريطانيا وفرنسا واليابان ببناء أنواع محسنة ومتطورة من الغواصات وخلال هذه الفترة قامت أيضاً البحرية الأمريكية ببناء أول غواصة كبيرة بعيدة المدى لها ، وكان طولها 381 قدمًا ، وكانت مسلحة بمدفعين بقياس 6 بوصات وأربعة أنابيب طوربيد أمامية وكان يمكنها حمل 60 لغماً .
خلال ثلاثينيات القرن العشرين بدأ الاتحاد السوفيتي إنتاج أعداد كبيرة من الغواصات وبشكل أساسي الغواصات التي تستخدم ساحلياً وكان ذلك في محاولة لجعل الاتحاد السوفياتي قوة بحرية كبيرة ، ولكن على الرغم من أن البرنامج السوفييتي قام بإنتاج الكثير من الغواصات إلا أنها كانت غير مناسبة للعمليات ضد البحرية الألمانية حيث أن أطقمهم لم يتم تدريبهم بشكل جيد .
تطور استخدام الغواصات
بعد الحرب العلمية الثانية سارع الحلفاء إلى تبني تكنولوجيا الغواصات الألمانية المتقدمة ، حيث قامت بريطانيا ببناء غواصتين تجريبيتين تدفعهما التوربينات ، وبدأ الاتحاد السوفيتي أيضاً في بناء تعديلات للغواصات التي أنتجها من قبل ، كما درست البحرية الأمريكية التكنولوجيا الألمانية وطورت 52 غواصة حيث تم تركيب بطاريات أكبر ، كما تمت إزالة طوربيدات وفي بعض المركبات تمت إزالة أحد محركات الديزل الأربعة ، وكانت النتيجة زيادة سرعة الغواصات تحت الماء وزيادة القدرة على التحمل تحت الماء .