كان للعرب في الجاهلية العديد من العادات والتقاليد التي تعارضت مع الإسلام مثل الزنا وشرب الخمر ووأد البنات وغيرها من العادات الجاهلية القبيحة إلا أن هناك بعض العادات التي ظلت حتى في وجود الإسلام لموافقتها مع الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها ومنها تحريم القتال في الأشهر الحرم، وأيضا تحريمه داخل الحرم المكي، ومن كان يقوم بتجاهل ذلك يكون قد أتى بجرم كبير لا يمكن المسامحة فيه.

وحرب الفجار هي إحدى الحروب الهامة التي حدثت في الجاهلية والتي قيل أن  النبي صلى الله عليه وسلم حضرها مع أعمامه عندما كان في العشرون من عمره حيث كان يقوم بتجهيز النبال لأعمامه، ويعد السبب وراء تسمية تلك الحرب بهذا الاسم هو أن القتال قد حدث في الأشهر الحرم.

سبب اشتعال حرب الفجار

وقعت تلك الحرب في عام 590 ميلادية، وقيل بعد عام الفيل بحوالي عشرون عام، بين قبيلتين من مضر هما قبيلة كنانة وقبيلة قيس، وسبب الحرب هو أن الملك النعمان بن المنذر  كان يرسل إلى سوق عكاظ مجموعة من النوق المحملة بالكثير من البضائع لبيعها فيه، كالمسك والحرير وغيرها، وكان يفعل ذلك في كل عام، ولكنه كان يخشى على قافلته تلك من قطاع الطرق، ولذلك كان يبحث عن من يقوم بحمايتها حتى تصل إلى السوق.

وبينما هو جالس في يوم مع مجموعة من جلسائه، وكان من بينهم عروة بن عتبة بن جعفر من قبيلة قيس، والبراض بن قيس بن رافع من قبيلة كنانة، وقد قام قوم البراض هذا بخلعه، وكان الجميع على علم بذلك، فقام الملك النعمان بسؤال جلسائه من منكم يقوم بحماية قافلتي حتى لا يسطو عليها قطاع الطرق، فأجاب البراض أنا أقوم بحمايتها لك من قبيلة كنانة، أي يحميها من قبيلته فقط.

ولكن الملك النعمان أجابه بأنه يريد رجلا يحميها من قبيلتي كنانة وقيس وليس كنانة فقط، ولكن عروة بن عتبة قام بسب البراض، وعايره بخلع قومه له، قائلا باستهزاء أكلب خليع يجيزها لك، أي يحميها لك، فسكت البراض ولم ينطق بكلمة، فقال عروة للملك النعمان متفاخر، أنا أحمي لك قافلتك من جميع العرب وليس من قبيلة كنانة وقيس فقط.

الضراب يثأر لكرامته من عروة

وبالفعل ترك الملك النعمان قافلته لعروة كي يحميها، وقام عروة بأخذ القافلة متجهًا إلى سوق عكاظ، ولكن البراض لم ينسى إهانة عروة له، وقد قرر الانتقام منه، وفي طريق عروة جاء البراض من خلفه وقتله، ثم أخذ القافلة وأتجه إلى سوق عكاظ.

 بعد ذلك قامت قبيلة بني أسد بإرسال رجل من رجالها إلى  قبيلة كنانة والتي كانت متواجدة داخل سوق عكاظ شأنها شأن جميع القبائل من أجل التجارة، وقام هذا الرجل بإخبارهم بأن الضراب قد قام بقتل عروة، وأخبرهم أيضا بأن قبيلة قيس تريد مقاتلتهم وأن عليهم توخي الحذر منهم، وبالفعل خافت قبيلة كنانة مما سمعته واتجهت مسرعة إلى الحرم المكي لعلمها أنه من الأماكن التي حرمت فيها العرب القتال فليس هناك مكان أنسب منه لتحتمي به.

وعندما علمت قبيلة قيس بذهاب قبيلة كنانة إلى الحرم ذهبت إليهم ونادى واحد منهم بأعلى صوته ليسمع قبيلة كنانة، بأن موعد الحرب بينهم سوف تكون في العام القادم داخل سوق عكاظ، وبالفعل في العام التالي توقف السوق عن التجارة، وقامت الحرب بين القبيلتين داخل السوق، وكانت قبيلة قريش تقاتل بجانب قبيلة كنانة وهذا بعد أن استعانت بها كنانة، وكانت الحرب في شهر ذو القعدة وكونه من الأشهر المحرمة عندهم حتى قبل ظهور الإسلام، فقد كان هذا الأمر من أبشع الأمور التي قامت بها القبيلتين، لذلك فقد قاموا بإطلاق اسم حرب الفجار عليها.

الصلح بين كنانة وقيس

استمر القتال بين القبيلتين والذي وقع على أثره العديد من القتلى، من القبيلتين كنانة وقيس وأيضا من قبيلة قريش، ولذلك فقد اتفقت القبيلتين على إيقاف تلك الحرب، وذلك عن طريق حساب عدد القتلى من القبيلتين، والقبيلة التي يكون عدد قتلاها أقل تقوم بدفع دية للقبيلة التي عدد قتلاها أكثر، وبالفعل قامت قبيلة كنانة بدفع الدية لقبيلة قيس حيث وجدوا أن عدد قتلى قبيلة قيس أكثر، وبذلك انتهت الحرب بين القبيلتين، والتي كانت من أشهر الحروب التي عاشها العرب قبل الإسلام.