تبدو النفس البشرية معقدة ومركبة ؛ حيث أنها تتصف بكثرة غموضها ، ومع ذلك فإن العلماء والباحثين قد توصلوا للكثير من المعلومات عن النفس البشرية ، ولكنهم كلما تعرفوا عليها اكتشفوا أن هذه المعرفة مجرد نقطة في بحر خبايا تلك النفس ، ولذلك فإن الإحاطة بكل مكنونات النفس أمر من الصعب تحقيقه ، ومن الجدير بالذكر أن هذه النفس متعددة الأنواع ، بمعنى أن البشر يختلفون في نفوسهم من حيث الصفات التي يحملونها أو التي تطرأ عليهم.

مفهوم النفس

تُعرف النفس البشرية على أنها الجزء المقابل لجسم الإنسان ؛ حيث يتشاركان ويتفاعلان باستمرار ، ويُعتبر هذا الجزء هو المحرك لنشاطات الجسم بأنواعها سواءًا كانت حركية أو انفعالية أو إدراكية أو أخلاقية ، وبذلك فإن النفس واحدة ولكن الصفات التي تتوارد عليها تجعلها ترتقي أحيانًا أو تنحني  وتضعف في أحيان أخرى ، وهكذا فإن النفس تمتلك العديد من الأحوال التي لا تجعلها ثابتة بشكل دائم.

أنواع النفس البشرية

لقد ورد بالقرآن الكريم مجموعة من مسميات النفس ، وهذا لا يعني أن النفس ليست واحدة ؛ بل إنها واحدة ولكنها تمتلك العديد من الصفات التي تمنحها نوعًا معين تبعًا لتصرفات كل إنسان ، ومن أنواع هذه الأنفس :

النفس السوية

لقد ورد في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا” ، وتظهر صفتان للنفس في هذه الآية الكريمة وهما النفس السوية والملهمة ، ويشير الله تعالى إلى تسوية النفس وخلقها ومنحها الكثير من القوى ، وقد فسر الإمام ابن كثير معنى “سواها” بأن الله خلق النفس سوية مستقيمة على الفطرة القويمة ، وقد ورد في معنى “ألهمها” أي أفهمها الحالتين التي تترددان عليها من الحسن والقبح.

النفس الأمارة بالسوء

تطرأ على النفس البشرية وساوس الشيطان ، وهو ما يجعلها تتحول من صفة النفس السوية إلى صفة النفس التي تأمر بالسوء ، وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم ؛ حيث يقول المولى عزّ وجل ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ” ، وبذلك فإنه يشير إلى ميل النفس إلى اتباع شهواتها وهواها إلا ما رحم الله فعصمها من هذه الصفة.

النفس اللوامة

ولقد أقسم الله سبحانه وتعالى بهذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى “وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ” ، ولقد ظهر اختلاف بين أهل التفسير في تعريف هذه النفس ، ومما ورد في معناها بكتاب التعريفات أنها النفس المتنورة بنور القلب وأنها تلوم نفسها كلما صدرت عنها سيئة بحكم أنها جُبلت على الظلمانية.

النفس المطمئنة

وهي النفس التي تتصف بالإيمان ؛ فلا يستبد بها القلق سواءًا في حالة السراء أو الضراء ، وذلك لأنها نفس راضية بما قد قسمه لها الله تعالى ، وقد قال عنها الله سبحانه وتعالى “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً” ، وقد انخلعت هذه النفس عن الصفات الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة تبعًا لتفسير أهل اللغة.

النفس الزكية

ولقد ورد ذكر هذه النفس على لسان سيدنا موسى عليه السلام في قوله تعالى “فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا” وقد ورد لكلمة “زَكِيَّةً” قراءتان متواترتان عن الرسول عليه الصلاة والسلام عن المولى عزّ وجل والقراءة الأولى هي “زاكية” بإثبات ألف بعد الزاي ؛ بينما القراءة الثانية تكون دون ألف مع تشديد الياء كما هي واردة ، وتشير الكلمتان إلى معنى النفس الطاهرة.