منذ اللحظات الأولى التي يحس فيها الطفل بما حوله، يعمل والداه على تعلميه مهارات و حركات تعبر عن قدرتها التفاعلية مع ما هو حوله، و أول ما يفرح الوالدين هو تصفيق ابنهما للمرة الأولى، مما يجعلهما يطلبان تكرارها في كل مرة. و في غالب الأحيان يتعلم الطفل كيف يصفق قبل بلوغه أول عام. فكيف بدأ التصفيق أول مرة ؟ و من أول من استعمله ليوضح الحماسة و التشجيع و الاستحسان ؟

ما هي اعتقادات الناس عن التصفيق ؟
قبل كل شيء يجب أن تعلم أن التصفيق ليس حكرا على البشر فقط، فهناك بعض الأنواع من الحيوانات التي تملك هذه القدرة كذلك. و يظن البعض أن أصل التصفيق و استعماله يعود للقدم، أي منذ بداية إقامة معسكرات بشرية و إنساء التجمعات أمام النار و سرد القصص و القرع في الطبول و طرق الأقدام مع الأرض. و تؤكد بعض الكتب التاريخية أن التصفيق كان موجودا منذ زمن الإغريق القدماء أي في القرن السادس قبل الميلاد، حيث كانت التجمعات تكون عبر الحشود الصاخبة ، و كانت تعد مشاركة الجمهور في العروض ليس إختياريا و إنما واجبا مدنيا.

من هم أول من صفقوا  ؟
و قد كانت المشاركة متفاوتة حسب مزاج الجمهور و جودة أدائه، مع حضور بعض الأفراد الذين يقومون بقذف المؤدين الذين يرفضونهم بالحجارة و الطعام. في حين كانت الحشود تعبر عن سعادتها بالعروض التي تحبها و حماستها من خلال الصراخ أو طرق القدمين بالأرض أو القيام بأي شيء يصدر ضجة في المكان. و لكن لم يكن يعرف ما إذا كان التصفيق موجودا من بين تلك الأساليب التعبيرية، لكن أبرز ما كان يستعمل من تلك الطرق لإحداث ضجة هو استعمال الأحبال الصوتية و الصفير، و صفع الأيدي بعضها ببعض في إشارة إلى التصفيق، لذلك فإن هناك احتمال كبير بأن تكون الجماهير اليونانية هي أول من استعمل التصفيق في التشجيع.

متى بدأ التصفيق يعني الرضا ؟
كان يعتبر التصفيق طريقة للتشجيع لكنه ظهر بغرض الاستحسان و الرضا في القرن الثالث قبل الميلاد في مسرحيات الكاتب المسرحي الروماني “بلاوتوس” و الذي كان في مسرحياته يستعمله لإرشاد الممثلين للتقدم إلى الأمام بعد آخر الحديث كل يقولوا “Valete et plaudite” التي تعني باللغة اللاتينية “الوداع و التصفيق”  أما plaudite لوحدها فهي كلمة تعني “الضرب بقوة” بمعنى ضرب اليد باليد. لكن لم يكن التصفيق هو الطريقة الوحيدة لدى الرومان ليعبروا عن رضاهم و إعجابهم بالشيء، فقد كانوا يقومون بأسلوب نقر الأصابع و رفع إصبع الإبهام خلال حضور المبارزات. و تماما كالإغريق كان الجمهور الروماني يعبر عن ردود الفعل السلبية في العروض و التجمعات من خلال قذف الشيء أو السباب.

التصفيق في مختلف الحضارات
من المعلومات السابقة نستنتج أن التصفيق كان يستعمل للدلالة على الرضا و الإستحسان في حضارات أخرى غير الرومان، و كان جزءا أساسيا من الفعاليات المتنوعة كالخطب و الحفلات، لكنه الآن يعتبر تصرفا غير لائق في حفلات الأوركسترا. و هو ما يخالف ماكان سابقا، حيث كان يعتبر عاملا محفزا و مؤثرا في العرض بكامله.

فقد كان بعض الموسيقيين مثل موتسارت و بيتهوفن يعيدان عزف مقطوعاتهما حسب التفاعل الإيجابي من طرف الجمهور. حيث قال موتسارت في رسالة أرسلها لوالده سنة 1778 و عبر من خلالها عن سعادته عن الأوقات التي كان يقاطع فيها الجمهور العرض بالتصفيق. حتى أن المؤدون و الإستعراضيون كانوا يعرضون فعالياتهم و ينتظرون تفاعل الجمهور ليعرفوا مدى استحسان الجماهير و رضاهم عن العزف و أشهرهم عازف البيانو “فرانز ليست”. عكس الموسيقار “ريتشارد فاغنر حاليا” الذي يقدم مقطوعات موسيقية بدون فواصل لعدم السماح للتصفيق.