الجميع يتذكر صورة الفتاة الأفغانية التي قد نشأت في أرجاء العالم كله، تلك الصورة التي أسرت العالم بجمال عيونها والأسرار التي تخفيها ورائها من ظلم الحرب ومعاناة الأيام، فكانت فتاة لم يتجاوز عمرها 12 عاما ولكنها أسرت القلوب في ذلك الوقت عام 1985 والتي تم عرضها على غلاف مجلة ناشونال جيوغرافيك ، هذه الفتاة الأفغانية ” شربات غولا” والتي عكست للعالم كله معاناة شعب أفغانستان والتي كانت رمزا للطفولة البريئة التي دمرت بفعل الحرب ظهرت بعد 16 عام بنفس تعبيرات الوجه والحزن العميق الذي يكمن بداخلها، فاشتهرت الفتاة الأفغانية ومازالت إلى الآن صورة مهمة جدا لمعاناة الأطفال في الحروب وقد تداولت أنباء أمس عن اعتقالها بسبب تزوير أوراق وحصولها على جنسيتين الأفغانية والباكستانية وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة، فما حقيقة هذا الأمر؟ ومن هي شربات غولا ؟

اعتقال شربات جولا
أعلنت السلطات المحلية في مدينة بيشاور أن التحقيقات الفيدرالية قد ألقت القبض على الشابة الأفغانية شربات جولا والتي اشتهرت بعد نشر صورة لها في غلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 1985 وذلك بتهمة تزوير بطاقة الهوية الوطنية الذكية ولأنها تحمل الهويتين الباكستانية والأفغانية وقد تم سحبهما منها.

وقد قامت الحكومة الباكستانية العام الماضي بحملة إجراءات صارمة على اللاجئين الأفغان الذين قاموا باستخدام وثائق مزورة للحصول على الجنسية الباكستانية وكانت اسم شربات غولا من هذه الأسماء، في الوقت الذي عزمت فيه باكستان إعادة كل اللاجئين والتي وصلت أعدادهم إلى 5.2 مليون لاجئ إلى أفغانستان نظرا لما يشكلونه من عبء كبير على الاقتصاد بباكستان.

من هي شربات غولا ؟
شربات غولا هي فتاة أفغانية ولدت في عام 1972 في البشتون بأفغانستان وقد فرت غولا مع عائلتها في عام 1979 إلى باكستان مع ألاف من العائلات الأفغانية في الوقت الذي غزت فيه قوات الاتحاد السوفييتي أفغانستان، وقد قضت طفولتها في مخيم ناصر باغ للاجئين في باكستان ، وأثناء جولات قصف طائرات الهوليكبتر التابعة لسلاح الجو السوفيتي قتل والدي شربات غولا في مطلع الثمانينات وأصبحت يتيمة وهو الأمر الذي جعلها تنتقل مع عائلتها إلى مخيم ناصر باغ، وقد تزوجت في أواخر الثمانينات وانتقلت إلى أفغانستان في عام 1992 مرة أخرى.

أسباب شهرة شربات غولا
التقى المصور الصحفي ستيف ماكوري بالفتاة الأفغانية شربات غولا في عام 1984 في مخيم ناصر باغ بباكستان وقد التقط لها صورة في غاية الروعة تم نشرها في عام 1985 على غلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك وكان عمرها لا يتجاوز 12 عاما وعلى الرغم من شهرة صورة شربات غولا في ذلك الوقت إلا أنه لم يكن المصور ماكوري يعلم اسمها ولا هويتها وعلى الرغم من ذلك فقد أثارت هذه الصورة اهتمام الجميع في ذلك الوقت وأشادوا ببراعة المصور ماكوري لالتقاطه تلك الصورة التي كانت تحمل معها مشاعر تلك الطفلة من الخوف من المصير والحزن وقد شبه ماكوري في ذلك الوقت بليوناردو دافنشي ولوحته الموناليزا ومن هنا جاء تلقيت صورة شربات غولا بالموناليزا الأفغانية ، وهو الأمر الذي جعل ماكوري يبحث عنها طوال سنوات طويلة حتى عثر عليها في عام 2002 وتعرف على هويتها واسمها الحقيقي.

العثور على الفتاة الأفغانية
على الرغم من محاولات ماكوري في البحث عن الفتاة الأفغانية طوال 16 عاما إلا أن كل محاولاته كانت محاولات فاشلة ولكن في مطلع عام 2002 انتقل فريق عمل تابع لشبكة ناشونال جيوغرافيك إلى أفغانستان للبحث عن الفتاة الأفغانية بشكل رسمي وهنا واجهت فريق العمل بعض التحديات أبرزها إدعاء الكثير من النساء الأفغانيات أنهن الفتاة الأفغانية وهو ما يؤخر عمليات البحث، وكانت هذه المهمة مهمة المصور ماكوري والذي كان يدقق في هؤلاء النساء لمعرفة الفرق بينهم وبين صورة الفتاة الأفغانية، وهو الأمر الذي جعل ماكوري يبحث عن معلمة الفتاة الأفغانية التي سمحت له بتصويرها للبحث في سجلات المدرسة ولكن دون جدوى، وقد تم عرض الصورة على الفتيات وقد أكدت واحدة منهن أنها تعرف صاحبة هذه الصورة وتعرف عائلتها وبالفعل تم الانتقال مع ماكوري والمعلمة إلى المنزل وقاموا بلقاء شقيق الفتاة الأفغانية المزعومة وقد شرع فريق العمل أيضا لقاء هذه السيدة بعد موافقة شقيقها وقد تم طرح بعض الأسئلة عليها من المصور ماكوري لتجيب عليها بكل طلاقة وقالت بأن الوشاح الذي كانت ترتديه كان محروقا من طرفه وأضافت أيضا بأن هذه الصورة هي أول صورة التقطت لها ولم تتصور بعد ذلك إطلاقا، فتأكد فريق العمل من ذلك ووجدوا أنه صحيح 100% وهنا عاد الأمل من جديد إلى ماكوري وفريق العمل، وقد تم التقاط صورة جديدة للفتاة الأفغانية بعد موافقة زوجها رفع النقاب وتصويرها وقد تم عرضها على خبراء متخصصين لتأتي النتائج إيجابية والتي أكدت أن تلك السيدة هي الفتاة الأفغانية والتي تدعى شربات غولا.

والغريب في الأمر أن عائلة شربات غولا لم تكن تعلم أي شئ عن هذه الصورة طوال 16 عاما على الرغم من شهرتها الواسعة وتداولها في كافة أرجاء العالم حتى أن تلك الصورة كانت تباع في الكثير من المحلات الأفغانية وكانت صورة مميزة لواجهات محلات التصوير .