يوم البعث ، هو بداية مراحل  يوم القيامة ، هو يوم نهاية الزمان ، قال ابن منظور البعث هو الإحياء من الله تعالى للموتى ونشرهم ليوم البعث ، وسمي بذلك لأن العباد يخرجون فيه من قبورهم عندما ينفخ في الصور ، ويأتي المشهد العظيم بعد انتهاء الكون والزمان ، وموت جميع المخلوقات حتى ملك الموت ، المختص بقبض أرواح العباد ، فيأمر الله تعالى الملك إسرافيل بالنفخ في الصور النفخة الثالثة فيبعث الله تعالى الموتى من قبورهم ويجمع الأجزاء المتفرقة ، وترد إليهم الأرواح.

وعنى القرآن الكريم بمشاهد القيامة : البعث والحساب ، والنعيم والعذاب ، وفلم يعد العالم الأخر الذي وعده الناس ، بعد هذا العالم الحاضر ، موصوف فحسب ، بل عاد مصور ومحسوس ، سيأتي يوم يبيد الحي القيوم فيه الحياة والأحياء مصداقًا لقول الله تعالى في سورة الرحمن ” كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام ” ، وقوله تعالى ” كل شيء هالك إلا وجهه .

المعنى اللغوي لكلمة البعث

بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثاً بمعني أرسله وحده وبعث به أرسله مع غيره ، أيضًا البعث في اللغة ، يأتي من الإرسال والإحياء ، فقد ذكر البعث في كلام العرب على وجهين ، ذكر الأول في قوله تعالى {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى} سورة الأعراف الآية 103 ، والمقصود بالبعث هنا الإرسال ، والبعث أيضًا بمعنى قاعد ،إثارة ، وأيضًا بمعني إحياء الله تعالى للموتي في قولة تعالى {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة البقرة الآية 56،  بمعني الإحياء والنشر.

أما المعنى الاصطلاحي فهو لا يختلف عن المعنى اللغوي ، المقصود بالبعث اصطلاحًا إحياء الله تعالى للموتى من القبور ، كما كانوا على وضعهم في الدنيا ، حتى يلقى كل فرد جزائه من جنة أو نار ، فقال تعالى {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة المجادلة الآية 6.

والمراد بالبعث المعاد الجسماني ، وإحياء العباد في يومي المعاد ، أما النشور مرادف للبعث في المعنى ، يقال نشر الميت نشرًا إذا عاش بعد الموت ، وأنشره الله بمعنى أحياه.

أسماء يوم البعث في القرآن الكريم

سمى الله تعالى اليوم الذي يحل فيه الدمار بالعالم ، ثم يعقبه البعث والنشور ، للجزاء والحساب بأسماء كثيرة ، وقد اعتنى أهل العلم بذكر هذه الأسماء قال ابن حجر العسقلاني أنها بلغت الخمسين اسما من تلك الأسماء:

يوم الخروج

فقال تعالى {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} سورة ق الآية 42 ، وسمي بذلك لأن العباد يخرجون فيه من  قبورهم ، عندما ينفخ في الصور .

القـــارعة

فقال تعالى { الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} سورة القارعة الآية 1-3 ، وسمي بذلك كما قال الإمام القرطبي لأنها تقرع القلوب ، بأهوالها ويقال قد أصابتهم قوارع الدهر أي أهواله وشدائده.

يوم الفصل

قال الله تعالى { هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} سورة الصافات الآية 21 ، وسمي بذلك لأن الله تعالى يفصل فيه ، بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون .

يوم الدين

قال تعالى { وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ } سورة الانفطار الآية 14-15 ، والدين في لغة العرب هو الجزاء والحساب وسمي هذا اليوم بذلك ، لأن الله تعالى يجزي العباد ويحاسبهم في هذا اليوم.

الصاخة

قال تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ } سورة عبس الآية 33 ، قال الإمام القرطبي ، عن عكرمة ، أن الصاخة هي النفخة الأولى والطامة هي النفخة الثانية ، وقال ابن العربي الصاخة التي تورث الصمم وإنها المسمعة ، وهذا من بديع الفصاحة .

الطامة الكبرى

قال تعالى {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} سورة النازعات الآية 34 ، وسميت بذلك لأنها تطم  على كل أمر هائل مفزع ، كما قال تعالى في سورة القمر {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} قال القرطبي الطامة الغالبة من قولك : طم الشيء إذا علا وغلب .

يوم الحسرة

قال تعالى { أَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } سورة مريم الآية 39 ، وسمي بذلك لشدة تحسر العباد في ذلك اليوم وندمهم وتندمهم ، يتحسر المؤمنون بسبب عدم الاستزادة من أعمال البر والتقوى .

أما الكفار لعدم إيمانهم مصدقًا لقول الله تعالى { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } سورة الأنعام الآية 31.

ولكن ما السر في كثرة الأسماء ، يقول الإمام القرطبي ، وكل من عظم شأنه تعددت صفاته ، وكثرت أسماؤه ، وهذا مهيع كلام العرب ، فالقيامة لما عظم أمرها وكثرت أهوالها ، سماها الله تعالى في كتابة بأسماء عديدة ووصفها بأوصاف كثيرة.

مشاهد يوم البعث

حدثنا الله تعالى عن مشهد البعث العجيب والمهيب فقال تعالى في كتابه العزيز { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} سورة الزمر الآية 68 ، وقال تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} سورة النمل.

وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة مخبرة بأنه يسبق النفخة الثانية في الصور ، نزول ماء من السماء فينبت منه الله تعالى أجسام العباد ،” أخرج الإمام مسلم بسنده في الصحيح عن عبد الله بم عمرو ، قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ” ، ثم يرسل الله مطرا كأنه الظل أو الطل فينبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون .

يقال إنبات أجسام العباد من التراب بعد إنزال الله ذلك الماء ، الذي ينبتها يماثل إنبات النبات من الأرض ، إذا نزل عليها الماء من السماء الدنيا ، كما لاحظ  في قوله تعالى كذلك نخرج الموتى ، كذلك النشور ، فهما يدلان على المماثلة والمشابهة بين إعادة الأجسام بإنباتها من التراب ، بعد إنزال الماء قبيل النفخ في الصور ، يتكون الإنسان في اليوم الأخر من عظم صغير ، وعندما يصيبه الماء ينمو نمو البقل ، هذا العظم هو عجب الذنب و هو عظم الصلب المستدير الذي في أوصل العجز.

أخرج الإمامان البخاري ومسلم في الصحيح بسند كل منهما ، عن الرسول صلّ الله عليه وسلم أنه قال ” ما بين النفختين أربعون ، ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ، وليس في الإنسان شيء إلا بلى ، إلا عظم واحدة وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة.

لكن دلت النصوص العلمية أن أجساد الأنبياء لا يصبها الفناء والبلاء ، في حديث أبي داود في صحيحة ” أن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء”.

يعيد الله تعالى العباد ولكنهم يخلقون خلقًا مختلفًا ، عما كانوا علية في الحياة الدنيا ، يبصر العباد ما لم يكونوا يبصرون به في الدنيا ، وهم الملائكة والجن ، وأهل الجنة لا يبصقون ولا يتغوطون ولا يتبولون ، ولكن هذا لا يعنى أنه خلق آخر غير الخلق الذي كانوا عليه في الدنيا ، يقول ابن تيميه رحمه الله ، النشأتان نوعان تحت جنس : يتفقان ويتماثلان ويتشابهان من وجه ، ويتفرقان ويتنوعان من وجه أخر ولهذا جعل المعاد هو المبدأ وجعله مثله أيضًا.

وأول من يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلّ الله عليه وسلم ، فأخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم انا سيد ولد أدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع . صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم.