عينان سوداوان يملأهما ذكاء خارق لواحدة من اكبر فنانات عصرنا الراهن " هكذا وصفت إحدى الصحف الإيطالية، المعمارية المستقبلية العراقية زها حديد العام الماضي بمناسبة افتتاح معرضها الكبير في صالة مركز الفنون المعاصرة الذي فازت بتصميمه عام 1998 وكان إحدى الثكنات العسكرية القديمة في أطراف العاصمة الإيطالية روما، والذي بدأ العمل فيه مطلع العام الجاري وينتهي عام 2005 ليشمل على قاعات للعروض الفنية وبارات ومخازن وبارات ومخازن بمساحة 30 ألف متر مربع تتقاطع فيه الانسيابية التقليدية المألوفة، وتنمحي فيه أساليب العلاقة التقليدية بين الداخل والسياق الخارجي .


ولدت في مدينة بغداد عام 1950 ودرست علوم الرياضيات في الجامعة الأمريكية ببيروت ثم التحقت بالدراسة الجامعية في بريطانيا تحت إشراف ( الكولهاس) وحصلت على شهادتها في الهندسة المعمارية في جامعة( Architecture Association) في لندن 1977

ثم عملت بعد تخرجها في مكتب عمارة الميتوبوليتان مع عملها كمعيدة في كلية العمارة وأستاذة زائرة في ابرز جامعات العالم منها هارفرد وشيكاغو وهامبورغ واوهايو وكولومبيا ونيويورك.

خصصت عدة مجلات إيطالية متخصصة بفن العمارة والتصميم ملاحق خاصة عن فن زها حديد الذي يتميز بالحداثة والعنف وعدم التوازن في الإشكال، واستخدامها الخطوط الهابطة والأشكال الجيوميترية بما ينسجم مع أفكارها الهندسية، لتجمع هذه الصحف على أنها ابنة العباقرة البابليون الذين وضعوا أسس أول حضارة في التاريخ الإنساني.

أشكالها وألوانها في المفروشات واللوحات والموبيليا والأدوات المنزلية التي تقدم تصاميمها لكبريات شركات التصنيع في العالم الغربي، تحمل منهج جديد في فن العمارة يطلق عليه تيار التفكيكية الذي يتجاوز تيار ما بعد الحداثة، يقوده عدد قليل من أساتذة العمارة العالمية من أمثال ، كوب هيملبلاو، اينمان، كيري، كولهاس، تشومي، ليبسكيند، إذ ينظر المنهج التفكيكي الذي يحمل تأثيرات الطراز الإنشائي السوفياتي والذي ظهر في الثلاثينات من القرن الماضي، للفضاء الخارجي كمساحة لامتناهية ينصهر بها الرسم والنحت في بوتقة العمارة لتخرج قيم تعبيرية لعملية الإنشاء، حيث تبان القيم الجمالية لأي بناء في النزعة التعبيرية للعلاقات الشكلية للحجوم والكتل والفراغات التي تبرزها المعطيات الإنشائية.

أبنية زها حديد المثيرة للجدل والتي تعتبر ابرز الصرعات التجديدية ذات الأشكال والسطوح المستطيلة المنحرفة التي تعتمد أحيانا على التشويه والتجزئة، والمقاطع المتعرجة، والتي تقطع الرؤيا الانسيابية والانسجام والاستقرار الظاهري المتعارف عليه، تحمل قطيعة مشوشة لما يربط الشكل الخارجي بالداخل ، وتقترب إلى أفكار الأسلوب التكعيبي،كما أنها لا تخلو من غرابة الشكل وتوجسه محملة بالأسمنت والزجاج والمعادن.


عمارة زها حديد تحمل إبهار كبير بالنسبة لكل المعماريين في العالم لا تمت بأية صلة للعمارة التراثية التي تشكل خلفيتها العمارة الحديثة التي أنتجها عدد من الأمريكيين أمثال لويس خان وفنتورا ورايت.. الخ ، أو العمارة العراقية الحديثة التي برزت مع جيل من المعماريين البارعين أمثال رفعت الجادرجي وهشام المدفعي ومحمد مكية ، بل إن عمارتها تمازج رائع بين الحلم والحقيقة، بين الخيال والواقع، والتجريد الزخرفي الذي لا يحده الإطار المحدد للسطوح كما هو متعارف عليه بالعمارة التقليدية. فنها هو عالم المتناقضات الذي تتكسر فيه المجسمات كما هو الحال في الصور الفوتوغرافية والمجسمات البلاستيكية لأبرز أعمالها في قاعات معرض روما مثل مبنى بيك كلوب في هونك كونغ، ومركز الفن والإعلام في مدينة دوسلدوف في شمال ألمانيا، ونادي الذروة في كولون بألمانيا، ونادي مونسون بار في اليابان، والمتحف الفني في سينسيناتي في الولايات المتحدة، وتوسعات مبنى البرلمان الهولندي في لاهاي، ومرسى السفن في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية، والمسجد الكبير في مدينة وولفسبورغ، ومتحف الفنون في الدوحة وجسر أبو ظبي ، وصالة أوبرا كارديف، ومركز إطفائية فيترا في ألمانيا التي استعملت فيها الأشكال المتعددة الجوانب والركائز المثلثة التي تبدو وكأنها تتطاير في الجو.

اللوحات الفنية والمفروشات والتصاميم والموبيليا وكل ما تلمسه يد هذه العبقرية التي تقول ( المساحات ليست بالضرورة بحاجة إلى جدران لتعليق اللوحات عليها، يمكننا، لا بل يجب علينا أن نخرج من الغرف التي هي أشبه بالعلب ذات الزوايا التسعين درجة) فالمساحة وكيفية معالجتها ينحصر في القيمة التعبيرية للإنشاء وعدم التخلي عن الجوانب الوظيفية.

نظرية العمارة عند زها حديد تعتمد كما يبدو من أعمالها على تداخل العلوم والتطورات الأخيرة في التكنولوجيا والعلوم الإنسانية الأخرى والتي دفعت العمارة بعيدا عن النطاق التقليدي لتظهر إلى الوجود كظاهرة اجتماعية وتاريخية محددة تستجلي القوانين وأنماط السلوك التي تتحكم في هذه البنية، فهي ترى بنية العمارة ونظامها يملكان مقومات وعلاقات غير محددة تتداخل في عملية التفاعل لتكون نتيجتها النهائية تحويل المادة الخام إلى جسم لكيان مادي معاصر قادر على التفاعل مع ناس هذا العصر. فالشكل المعماري يخطو ذاتيا بخطوات حرة غير مستند بالضرورة إلى العوامل التي ولدته على ضوء حاجة اجتماعية معينة. ولهذا فان زها حديد ترفض التقاليد الموروثة في العمل المعماري على اعتبار أن عملية توليد شكل جديد تبع من حاجات جديدة مختلفة لان لكل عمارة دور تؤديه وعصر تنتج فيه.

 

بقلم/ موسى الخميسي