إن فكرة دراسة البيت العربي التقليدي إنما تتضمن البحث واستقصاء أبرز عواكس النظام الاجتماعي، حيث إن البيت هو نتاج وأداة في نفس الوقت تعكس العادات والتقاليد، التي تسود المجتمع ضمن فترة معينة من تاريخ حضارة ما.

كما تسهم التكوينات الفراغية للبيت في تحديد حركة وسلوكيات القاطنين، وبكلمات أخرى فان الطبيعة التكوينية للفراغات البيتية وطبيعة الإطلالة للخارج ومدى الاتصال بين الداخل والخارج وتحديد درجة الخصوصية تنعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على سلوكيات وأخلاقيات وربما أيضا طبائع القاطنين.

ولعله ليس من دليل حسي ملموس بين أيدينا في هذا المجال مما يقع في دراسات علم النفس، إلا ما نجده في الأثر ما مفاده أن من نعم الله تعالى على العبد الزوجة الحسنة والدابة أو الركوب وسعة الدار (أو كما ورد).

وهكذا نجد أن البيت المريح نفسيا له مجموعة خصائص منها السعة مثلا، وهكذا، مما يدعم الفكرة بأن للبيت تأثيرا نفسيا على سلوكيات وأخلاقيات القاطنين، بل إن التفاصيل اليومية في حركة أصحاب البيت خلال الفراغات المختلفة ومقدار الخصوصية والفصل بين الكبار والصغار، والقاطنين والزوار لها الأثر الكبير في هذه السلوكيات، وهو موضوع واسع بحد ذاته.

ونظرا لأهمية ومركزية البيت في حياة الإنسان وتأثيره في طباعه وإنتاجيته كفرد ضمن المجتمع، فقد وردت في القرآن الكريم إشارات ودلالات لهذه الأهمية والمركزية. وقرن ذكر البيت بالسكن والسكينة (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) حيث كان السكن والمسكن من السكينة، كما ورد في ذكر الحياة الزوجية التي تتعلق بالبيت أيضا كلمة السكينة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها....).

وهكذا كان البيت جزءا حيويا من المنظومة الاجتماعية في الحياة الإسلامية، حيث تشكل الحياة الزوجية محورا آخر ضمن محتوى البيت نفسه، فالسكينة تتحقق مع وجود هذه العناصر المتلائمة معا. ولم يقتصر الإسلام على ذكر البيت كوصف فقط إنما حدد العلاقات المختلفة ضمن البيت بما يكفل توفر الخصوصية وحصول الغاية من البيت وهو السكن.

فقد حدد القرآن الكريم علاقات الأفراد ضمن البيت من جهة، (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها)، حيث يروى في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفاق من نومه ساعة القيلولة وقد انكشف من ثوبه شيء لدى دخول احد الأحداث عليه، فقال لو نزل في القرآن شيء في ذلك، وهي واحدة من متوافقات عمر مع ما تنزل من القرآن الكريم. كما حدد القرآن الكريم أيضا العلاقة بين القاطنين والزوار من جهة أخرى (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم). وهكذا تدل الآثار والأدلة في الإسلام على أهمية البيت في حياة المسلم وكلبنة مهمة في المدينة العربية الإسلامية.

لعل ابرز العقبات التي تواجه الباحث لهذا النوع من المباني المعمارية هي (الخصوصية) التي تغلف وتحيط بالبيت، والتي تمنع الباحث من الوقوف على نمط الحياة اليومية التي يعيشها قاطنو البيت. ولذلك نجد أن من مصادر المعلومات حول البيت هي وصف المستشرقين الذي انحصر في عكس مفهوم الخصوصية ودور المرأة في البيت وبالتالي المجتمع.

ومن هنا فقد كانت الدراسات وبخاصة الاستشراقية منها سطحية من جهة، وتقع في المزالق أو التحيزات في نقل صورة صادقة عن النمط الاجتماعي للبيت، وبالتالي للمجتمع من جهة أخرى. ولذلك نجد أن اغلب الدراسات التي تصف البيت العربي تخلو من إعطاء صورة متكاملة بين أجزاء البيت (الحيز الفراغي المعماري) وطبيعة النمط الاجتماعي السائد الذي يحياه أفراد البيت.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن بعض الدراسات إنما نجحت في نقل صورة عما يدور في البيت، من خلال وصف القسم العام من البيت الذي يسمح للضيوف بالحلول فيه، أما القسم الخاص وغالبا ما تدور به الأنشطة العائلية فلم يحظ بوافر النصيب من الوصف في ما خلا ما كان يدور في القصور وبيوت كبار التجار، وهذا لا يعكس نمطية مجتمعية إنما فردية أقلية لطبقة مترفة من طبقات المجتمع.

وكذلك نجد بعض الأوصاف العامة للبيت العربي التقليدي من خلال ما ورد في الروايات المختلفة وكتب الأدب العربي، ورحلات الرحالة العرب وغيرها كالروايات الأدبية. وقد برزت مجموعة من الدراسات التي بحثت في البيت العربي التقليدي منها كتاب إحسان فتحي (البيوت التقليدية في بغداد) أو دراسات المستشرقين الإنجليز أو الفرنسيين لبيوت مدن شمال أفريقيا أو لبنان أو منشورات الآغا خان التي بحثت في مدن مختلفة كاليمن والقاهرة ودول شرق آسيا الإسلامية.

وهذه الدراسات بمجملها تعطي صورة عامة عن البيوت موضع الدراسة، بيد أنها قلما تجاوز المرحلة الوصفية إلى التحليلية المقارنة، حيث تجمع معظم الدراسات على التركيز على دور المناخ في تشكيل عناصر ومفردات البيت وتحليل العناصر الرئيسة المكونة للبيت كالفناء وغيره، أو دراسة عامل الخصوصية في تقسيم البيت.